Saturday 22 May 2010

ظهور السلفية في موريتانيا: الأسباب والدوافع... ؟

اعل الشيخ أحمد الطلبة


شكل ظهور السلفية في المجتمع الموريتاني خلال السنوات الأخيرة فاصلة مزعجة في التاريخ السياسي الحديث للمجتمع التقليدي. لم يكن هذا الظهور صدفة تاريخية، بل انه جاء نتيجة منطقية و حتمية للعديد من الأسباب والدوافع الداخلية والخارجية. سوف أحاول في هذا المقال، على الرغم من شمولية الموضوع و تشعبه من جهة و كون مجرد أسطر لاتكفي لمعالجة موضوع حساس ومهم كالفكر السلفي في المجتمع الموريتاني التقليدي من جهة اخرى، تسليط الضوء على بعض الأسباب النفسية والمادية و السياسية و الإجتماعية التي مهدت الطريق لتبلور الفكر السلفي في هذا المنكب البرزخي.

وذلك دون أن نغفل بعض الدوافع الداخلية كالبطالة والإنحراف و الخارجية مثل الوضع الدولي والتأثير الإعلامي واختراق الجماعات السلفية للمجتمع الموريتاني التقليدي. اذن، فالسلفية كفكر جديد على الساحة في موريتانيا كان له تأثيره وانعكاسه على الخبر اليومي. والمناوشات من حين لآخر بين الشرطة وبعض السلفيين ماهي إلا تأكيد على أن مجتمعنا ليس استثناءا من القاعدة العامة.

1-اسباب ظهور السلفية:

يرجع البعض اسباب ظهور السلفية في المجتمع الموريتاني الى تضافر وتداخل مجموعة من العوامل منها ماهو سوسيو-سياسي و اقتصادي و منها ماهو اجتماعي محض. كل هذه الأسباب تعكس نفسها، بطريقة أو بأخرى، من خلال الإحباط الاجتماعي والحرمان الإقتصادي و الذي بدوره يخلق حالة نفسية مرضية يضيع فيها الشباب ليبحث لنفسه عن طريق بديل للتعبير عن سخطه على الحكومة التي يعتبرها المسؤول الأول عن كل شئ ولو كان ذلك باللجوء الي العنف.

الأسباب الإجتماعية:

نظرا لطبيعة المجتمع الموريتاني التقليدي و الذي تتحكم فيه تراتبية اجتماعية صارمة تمنع التحول أو التطور التلقائي أو النسقي من طبقة الي اخرى فقد شكل ذالك احد العوامل الأساسية لتأثر المجتمع بالفكر السلفي، وخلق بئة خصبة لكل انواع التطرف والإنحراف.
لقد ظل مجتمعنا منغلقا على ذاته كلما تعلق الأمر بالدخيل لكنه منفتح على ذاته بدرجة تسمح لأفراده بممارسة كل انواع الإنحراف و التطرف وممارسة العصيان الإجتماعي والثورة الصامتة في كنف الأسرة الممتدة و سياسة الباب المفتوح.

عادات وتقاليد المجتمع التي توحي بنوع من التماسك الإجتماعي المزيف هي التي خلقت من المجتمع نفسه ضحية للتفكير المتطرف وسمحت لكل انواع التطرف الديني بكل اشكاله النمو والترعرع دون ان يخضع لأدنى شك أو تمحيص، هذا الشك الذي أصبح اليوم علامة للمدنية والحضر. لكنه لايزال غائبا تماما عن المخيلة الجماعية للموريتانيين، لذلك فالمجتمع الموريتاني لازال يعيش بمنطق البداوة و رحابة الأفق الصحراوي في ظل تعقيدات واكراهات المدنية والمدينة. فهل يعقل ان نعيش في مجتمع المدينة بعقلية البداوة...؟

الأسباب الاقتصادية والسياسية:

يعتبر التطرف مفهوما سياسيا قبل أن يكون دينيا. أما العامل الاقتصادي فهو بالأساس يتمثل في الفقر والحرمان والتهميش. ان العامل السياسي لايقل أهمية عن البعد الإقتصادي لظهور السلفية في موريتانيا. فالمشهد السياسي العقيم والهش والمتزعزع خلق نوعا من الإحباط والفشل السياسي في اوساط الشباب الذي يطمح الي الإستقرار والسكينة السياسية ليتسنى له التمسك والتشبث بأحلامه وطموحاته من أجل بناء مجتمع يعترف، على الأقل، بحق الفرد في العيش الكريم و الإحترام وهو مايشار اليه احيانا بالعدالة الإجتماعية.

ينضاف الى هذا الوضع السياسي المحبط سوء وتدهور الوضع الإقتصادي في البلد، فالفقر يضرب في اعماق المجتمع و يكبل أكثر من 70 في المائة من المجتمع. كل هذه الظروف أدت الي سعي الشباب الي خلق بديل سياسي واقتصادي ولو كان ذلك من خلال الإعتقاد في عالم افتراضي روحاني بديل لعالم مادي اثبتوا فشلهم فيه. فشل يقودهم في اغلب الأحيان الي الإقتناع والإنجذاب الي الأفكار السيئة والفكر المتطرف من سلفية وتكفير وتضليل.

2-الدوافع

الدوافع الداخلية:

بالإضافة الي الأسباب المذكورة اعلاه، هناك دوافع داخلية تقود الشباب الي التطرف واعتناق الفكر السلفي. من بين هذه الدوافع البطالة، التي هي "ام الشرور" كما يقال. فعندما يجد الشباب كل الطرق مسدودة امامه يضعه ذلك وجها لوجه مع البطالة وتبعياتها النفسية والإجتماعية مما يستدعي اندفاعهم الي الطرق المنحرفة وبالتالي اصطدامهم بالأجهزة الأمنية وتحقير المجتمع فيلجؤون الي التوبة أو الحضن الديني، لكن هذه التوبة سرعان ماتتحول الي انحراف آخر أشد خطرا من سابقه و هو التشدد الديني.

و الخطير في هذا الإنحراف انه يختلف عن السلوك الإجرامي ففي هذا الأخير يبدأ المجرم بالخروج على القواعد الإجتماعية من البداية وبشكل علني، أما في التطرف الديني فإن المنحرف يبدأ في اتجاه القاعدة الإجتماعية ومن داخلها، حيث يأخذ نفسه بالتعاليم الدينية وهذا سلوك حسن لايمكن الإعتراض عليه، لكنه مايلبث حتى يزيد على حد التدين الوسطي.

ويبقى أن نشير الي العلاقة بين الإنحراف في السلوك الديني والبطالة. وذلك أن الفرد عندما يعاني من البطالة يصبح محبطا وهو مايجعله سهل الإستدراج فتلجؤ الجماعات المتطرفة في استدراج الشباب بالتمويل والأفكار المؤدلجة،و من ثم تجنيدهم لمصالحها. ونتيجة لهذا يجد الفرد نفسه في وضع مغاير لماكان عليه من البطالة فهو يعمل وينتج وفوق ذلك "يجاهد في سبيل الله" ويقاتل " "الكفار" فإما الغنيمة و إما "الشهادة"
الدوافع الخارجية:

من بين الدوافع الخارجية لإعتناق الفكر السلفي في المجتمع الموريتاني تأزم الوضع الدولي في زمن "الذلقراطية" بمفهوم المفكر العربي مهدي المنجرة. الذلقراطية: عندما يذل الغرب حكام العرب فيذل الحكام شعوبهم بإسم دمقرطة الغرب. وضع دولي في عالم متغطرس يحكم على كل فرد لاينتمي الي الثقافة الغربية بتهمة الإرهاب والتطرف والإنحراف مما يجعل من اللآخر المتهم مجرما ذاتيا.

هناك ايضا التأثير الإعلامي بكل صوره النمطية التي بدأ بناؤها حول الآخر العربي والشرقي منذ بداية النظام الجديد لعالم مابعد 11/9 . لاشك ان الإعلام اضحى أول العوامل وأهمها في تشكيل و التأثير على الرأي العام، بل وتزييفه و المغالطة والمبالغة فيه.

وبالإضافة الي حالة انعدام الثقة بين الذات و الآخر وحتى أحيانا بين الذات وذاتها، يتأثر الناس بالحرب الكلامية والإعلامية الساخنة. كل هذه العوامل الخارجية، وعلى الرغم من أن كل واحدة منها تستحق بحثا أكاديميا معمقا لفهمها وتصورها وتحليلها، الا اننا ونظرا لبعض العوامل الأخرى حاولنا فقط ذكرها بإختصار على سبيل التذكير لاالتحليل.

إن آخر وأهم هذه العوامل الخارجية و الذي سنحاول أن نخصص له الحيز الأكبر فهو اختراق الجماعات السلفية للمجتمع الموريتاني وتغلغلها في النسيج الإجتماعي مما شكل ولازال يشكل اشكالا حقيقيا.

اختراق الجماعات السلفية للمجتمع الموريتاني:

ظلت مويتانيا ردحا من الزمن بمعزل عن الجماعات السلفية وذلك لإعتبارها دائما آخر قلعة من قلاع الإسلام التقليدي في العالم العربي. لكن هذا التصور مالبث ان تغير منذ أواخر العقد الأخير من القرن الماضي وتحديدا منذ اعلان التطبيع مع دولة اسرائيل. حينها بدأت الحركة السلفية تعيد النظر في امكمانية تصنيف موريتانيا من بين مناطق الجهاد البائس والللاجدوائي ضد شعب أعزل و حكومات لم ترتكب من الأخطاء سوى المحافظة على مصالح شعوبها.
ان الحدث الفعلي الذي شكل اول تماس بين جماعة السلفية و حكومة موريتانيا هو اغارة الجماعة على لمغيطي 2005 و كذلك تورين 2008.

الا ان ماساعد هذا الإختراق هو تساهل المجتمع مع الجماعات الإسلامية دون تمييز وذلك ما أعطى للسلفية فرصة سانحة للتغلغل والتفكير في رص الصفوف من داخل بلد كموريتانيا حيث ظلت القبيلة دائما وصية على الدولة و ظلت هذه الأخيرة تبحث لها عن شرعية في ظل غياب تصور لمفهوم الدولة الحديثة.

غير أن اختراق الجماعة السلفية لموريتانيا جاء نتيجة لتضييق الخناق على الجماعة ومضايقتها في دول الجوار مثل الجزائر و المغرب أساسا و مالي مما حدى بها الي البحث عن موقع جديد لإلتقاط انفاسها و استقطاب بعض العناصر وتوسيع مجالها وفتح جبهة جديدة.
واضافة الي العوامل التي سهلت الإختراق أيضا تجدر الإشارة الي أن عدم الإستقرار السياسي منذ انقلاب 2005 دخلت موريتانيا دوامة من الضياع والترهل زادها ضعفا على ضعفها الذي هو تراكم لسياسية الحزب الأحادي منذ الإستقلال وتوطيده في المرحلة الطائعية.

اذن، هذا الضياع السياسي هو الذي خلق البيئة المناسبة لإستقطاب السلفية للشباب الموريتاني بإسم الإصلاح السياسي تارة و بذريعة الفسق الإجتماعي تارة اخرى. وقد وجدت السلفية هذه الظروف كلها مناسبة لتمرير افكارها وهي الجماعة التي عرفت بالقدرة على تمرير ايديولوجيتها بإسم الدين و صياغة خطاب ديني يتجاهل حرمة وعصمة الشعوب والأوطان.

ان الأسباب و الدوافع لظهور السلفية في المجتمع الموريتاني التقليدي تتعدد بتعدد القراءات و التحليل، لكن الحقيقة التي لاتقبل الجدل هي واقع التحدي الذي تمثله السلفية كعقبة أمام الحكومة الموريتانية الغائبة أصلا. هذا التحدي الذي مافتئ يخرج عن طور السيطرة و يتجاوز حدود التقاليد والعادات الاجتماعية. فهل يمثل ظهور السلفية في المجتمع الموريتاني صدفة تاريخية تتحكم فيها ظروف سياسية واقتصادية معينة تزول بزوالها ؟ أم انها واقع حرج يستدعي الدراسة والتمحيص لفهمه و الإحتياط له ؟

No comments:

Post a Comment