Saturday 22 May 2010

هل تعود موريتانيا إلي نظام الحزب الواحد....؟

اعل الشيخ اباه احمد الطلبة

بدأ الحزب الحاكم " الإتحاد من أجل الجمهورية" الأسابيع الماضية حملة انتساب شملت جميع مناطق الوطن حتى زاد فيها عدد المنتسبين في بعض المناطق عدد الناخبين. انتهت تلك الحملة التحسيسية والتي يبدوا أنها لم تفي بالغرض المنشود من هذا النوع من نشر السياسة و تشييع ثقافة الانتماء للحزب الواحد من خلال تسخير كافة الإمكانات المتاحة من كوادر بشرية ومالية و معنوية ومادية وجهوية وقبلية و حتى عائلية.....

بعد انتهاء تلك الحملة، أعلن عن إثبات الانتساب عن طريق البطاقات الخاصة بالحزب والتي تحمل نفس ألوان الحزب الجمهوري من أبيض وأزرق في زمن الرئيس معاوية ولد الطايع، أخذت هذه الحملة منذ الأسبوع الأخير منحى وبعدا آخر أكثر من مجرد الدعاية الحزبية والسياسية تمثل في تعيين أو تخصيص رؤساء المئات والآلاف لتنظيم و ضبط وضمان أن كل المواطنين سينتمون للحزب، وهو ما يمس من حرية التحزب و تكافؤ فرص الدعاية بين الأحزاب.

فهل دخلت موريتانيا مرحلة جديدة قديمة تكرس لهيمنة الحزب الواحد والتسبيح بحمد القائد الفذ الهمام الذي لم يولد مثله سيد؟ أم أن هذا النوع من السياسات هو حنين إلي الماضي القريب البعيد الذي جعل من إرهاب المواطنين والتجسس عليهم عن طريق إنشاء هياكل لتهذيب الجماهير في الثمانينات من القرن الماضي طريقة للحكم الرشيد؟

كانت موريتانيا في فترة حكومة الرئيس محمد خون ولد هيدالة (كما تثبت ذلك الأدبيات والوثائق المكتوبة حول تلك الفترة من "سنوات الرصاص" في موريتانيا) نظاما بوليسيا بامتياز، حيث كان الناس يخافون بعضهم لأن الحكومة ضيقت عليهم الخناق وحصرتهم في بوتقة واحدة و نصبت عليهم جواسيس منهم أطلق عليهم مجازا آنذاك " الهياكل لتهذيب الجماهير" ولا يخفي ما تحمله هذه العبارة من دلالات وإيحاءات سياسية....

فالهياكل آنذاك كانت نظاما تم استيراده من الجماهيرية الليبية كما توحي بذلك عبارة الجماهير والتي كرست له المال والمساعدات من أجل تنفيذه وتحقيق مآربها الشخصية للتدخل في شؤون وسياسة هذا المنكب البرزخي وهو الشيء الذي بدأت، للأسف الشديد، تحققه على أرض الواقع في الأشهر الأخيرة، أما عبارة تهذيب فهي ترجمة عربية خاطئة أصلا يراد بها التربية والتعليم، لكنها ظلت تحمل معاني أقرب إلي التهميش و التكميم و مصادرة الأصوات عبر إعادة إنتاج نفس المواطنين على مدى عقود من منظومة تهذيبية من أفشل المنظومات التربوية في العالم....

إن فشل موريتانيا ليس فقط على المستوى الاجتماعي بل أيضا في الجانب السياسي، فقد دأبت حكوماتنا على أن تلعن كل واحدة منها الأخرى لتحل اللعنة بمواطنين عزل لهم الحق في العيش الكريم، فكلما كتب لرئيس أن يصل إلي الحكم نصب نفسه ملكا وإمبراطورا وتجاهل الواقع المؤلم لثلاثة ملايين مشردين صوتوا له زيفا أو كرها أو قهرا أو جهلا....

من المثير للشفقة والداعي للتساؤل طبيعة الصراع الأزلي بين المعارضة والحكومة الذي يحتار المراقب والمثقف والمتابع والمهتم بالشؤون الداخلية في فهمه، فلا هو صراع مصالح و لا هو سوء تفاهم حول منظومة سياسية أو مقترح أو برنامج إصلاحي تقدمت به المعارضة أو رفضته الحكومة، ولا هو صراع حول النفوذ وكسب ود الناخبين و العمل على التحسيس باستمرارية النضال السياسي....

المعارضة عندنا لا تملك من وسائل التحسيس إلا القول أو التشدق ببعض التهديدات التي لم تعد تخف الحكومة ولم يعد المواطن يهتم لها، حيث تعودنا على ذات التصريحات من ذات الأشخاص. بل إن المعارضة تبدوا كأصنام محنطة أو عرائس من الشمع في متحف عتيق. فلماذا ترفض المعارضة التجديد في طاقمها السياسي؟ أم أنها تخاف من طموح الشباب المعارض؟ أم أنها لا تثق إلا في أرباب يمارسون اللعبة منذ استقلال البلاد دون فهم القواعد؟

أما الحكومة، على الجانب الآخر، فتسخر الميزانية العامة لتوطيد وتفعيل الحضور وضمان الاستمرارية في رفع الأسعار وتهميش المواطن و العبث بالشوارع المعبدة أصلا في محاولة لشغل العامية عن مجرد التفكير في الواقع الذي تعودنا عليه حتى أضحى القاعدة وغيره الاستثناء. الحكومة مخولة للتصرف في المال العام لخدمة أغراضها الحزبية و عمال الحكومة يغادرون مكاتبهم لأسابيع بحجة الحسيس للحزب الواحد الحاكم باسم الشعب والمتصرف في رقاب الشعب من أجل الشعب....

إن التناقض الذي تقع فيه موريتانيا أعمق بكثير مما يمكن للمرء أن يتصور له حلا أو حتى أن يخامره بصيص أمل دون أن يحمل معه من الإحباط ما يفوق كل الأماني، تناقض يؤكد أننا نسير عكس عقارب الساعة ونتقهقر نحو المستقبل. فالمجتمعات من حولنا تتغير وتنموا وتتطور وتزدهر ونحن نتراجع على جميع المسويات.... أين مكان الخلل؟ هل العيب فينا حكومة وشعبا أم أن تعدد الأحزاب فينا مسرحية لنضحك على أنفسنا ونخدع الآخرين؟

No comments:

Post a Comment