Saturday 22 May 2010

القدس... نواكشوط... غزة

اعل الشيخ أحمد الطلبة

تعودنا على التظاهر والتعاطف الأعمى مع قضية فلسطين، نتظاهر نصرة لغرة و ضد تهويد القدس و من أجل إيقاف المستوطنات الإسرائيلية، بل وفي أغلب الأحيان نتظاهر من أجل لاشيء....
أتساءل دائما بأي منطق يتجاهل الإنسان العربي جميع همومه ومشاكله ليتضامن مع شعب آخر يبعد عنه آلاف الكيلومترات؟ هل هي قضية تهميش الذات وتضليلها لتظل غير واعية بظروفها بينما تحاول التعبير عن الآخرين؟ أم أنها سياسة إيديولوجية تسعى إلي توحيد العالم العربي حول القضية الفلسطينية الخاسرة أصلا في فلسطين نفسها؟ هل تمثل القضية الفلسطينية المحك الحقيقي لانتماء الإنسان العربي إلي الإسلام؟ أليست فلسطين مجرد جزء من العالم العربي الذي ينقسم حول نفسه كل يوم ألف مرة انقساما ميوزيا وميتوزيا ليغرق أكثر في بحر الفساد والمحسوبية والفقر المدقع...؟

مما يثير العجب والشفقة أن يتظاهر الموريتانيون نصرة لغزة و تحريضا على اليهود في الوقت الذي ينعم فيه أهل غزة بظروف معيشية أحسن ألف مرة من ظروفنا في بلد السلم والانقلابات، إن شعب فلسطين و غزة خصوصا لديهم بنية تحتية متكاملة ونظام تعليم من أحسن النظم العربية وجهاز سياسي ديمقراطي في شرعيته الداخلية....

أنا على يقين أنه لو كتب للغزاويين والحمساويين أن يعلموا بظروفنا المشينة هنا في شوارع المقفرة بنواكشوط لأعلنوا يوما عالميا لنصرة الشعب موريتانيا وتوسلوا إلي المجتمع الدولي للتدخل العاجل لإغاثة شعب موريتانيا المنكوب و الذي لا يملك من القوة إلا ما يبعده عن وطنه و مشاكله الداخلية....

أنا لست ضد اتحاد العالم العربي ولست حتى ضد التوصل إلي حل مقنع للجميع يضمن تعايش جميع شعوب العالم بسلام وأمان وتفاهم و تقبل. لكنني أعتقد جازما أن القضية الفلسطينية ليست مجرد محنة شعب أو انقسامه أو انقلابه على شرعية مفترضة، بل هي صراع تدخلت فيه أجندة خارجية مادية ومعنوية تريد أن تجعل من فلسطين قضية محورية لجميع العرب والمسلمين لعبت فيها الدول بأجهزتها الإستخباراتية ووسائل الإعلام....

فمثلا قناة الجزيرة التي طالما تجاهلت الكثير من القضايا الملحة والجوهرية في الكثير من الدول الإسلامية والعربية لتركز على فلسطين وكأنه لا وجود لأي صراع آخر على وجه المعمورة أ كثر أهمية من صراع فلسطين.....

قبل انقلاب غزة كانت القضية الفلسطينية تصور وكأنها قضية العرب والمسلمين في صراعهم الرباني ضد الحروب الصليبية مع الإسرائيليين أو الصهاينة. ظل العرب ينتظرون عبثا صلاح الدين ينبعث ليحرر اورشاليم من جديد، لكن صلاح الدين لم يكن عربيا في حياته و لم يعد يؤمن بالنفاق السياسي للعرب اليوم الساعي إلي الخلط بين الحق و الشرعية دون التمييز بين شرعية الحق وحق الشرعية....

نحن في نواكشوط أصبحنا فلسطينيين أكثر من فلسطين كما كنا يوما عراقيين أكثر من العراق، لقد تعلمنا أن نميل مع الرياح حيث ما تميل دون أدني محاولة لاتخاذ موقف يضمن لنا مصالحنا ومكانتنا في الركب الدولي. في حرب الخليج الأولى قدمنا الغالي والنفيس للعراق و في الحرب الثانية أصبحنا ضده لأننا كنا على وشك أن نفهم حيثيات اللعبة.....

بنفس المبالغة في المشاعر التي خضنا بها حرب الخليج الأولى طالبنا الآن بقطع العلاقات مع إسرائيل. لماذا نتظاهر تضامنا مع الفلسطينيين بينما نفرح بقطع العلاقات مع إسرائيل على الرغم من أن فلسطين وإسرائيل تبعدان عن موريتانيا نفس المسافة؟ ألا يجب أن تكون مصلحة شعبنا فوق اعتبارات عمياء لشعب جاهل لا يفهم أن عالم القرية الكونية الواحدة اليوم تتحكم فيه الموازين الجيوسياسية و تحالفات المصالح؟ ماذا قدم العرب لفلسطين ليقدموه لموريتانيا؟ ألم تبرهن جميع الدول العربية الثقيلة الوزن أنها مع مصالحها ومصالح شعبها على الرغم من تملقها و تناولها للقضية الفلسطينية بازدواجية المعايير...؟

بالنسبة لي، فالقصية الفلسطينية لم تعد صراعا بين العرب و اليهود، بل أصبحت صراعا بين الفلسطينيين أنفسهم وبين الأنظمة العربية و الأوروبية التي تدعم هذا الطرف أو ذاك. بل هي صراع بين التطرف الديني والغلو في المواقف ممثلا في حماس و القوى الأخرى التي تؤمن بالحوار و تسعى إلي بيع القضية أو حلحلتها....

مهما تكن طبيعة الصراع القائم في القدس وغزة فإن الصراع أو بالأحرى الصراعات في نواكشوط أكثر إلحاحا و تعقيدا، فنحن شعب يريد بناء دولة على أرض الواقع بشوارعها و العمل على لحمة شعب يكاد يتناثر على خطوط مواجهة شبه محتومة، نحن شعب لازال يسعى إلي خلق وطن كمفهوم مجرد في عقول الكثيرين من مواطنينا الذين لم يؤمنوا بعد بوجود هذه الدولة التي نطلق عليها موريتانيا. فكيف نؤمن بالقضية الفلسطينية قبل أن نؤمن بوطننا....؟

No comments:

Post a Comment