Saturday 22 May 2010

عندما يكتبني وطني....

اعل الشيخ ولد أحمد الطلبة

مواطنون كلنا لكننا بلا وطن
ممتهنون كلنا لكننا بلا مهن
محنطون غارقون في توابيت الزمن
وكلما مرت محن
كانت دماؤنا الثمن
ثم حمدنا الله أنها أخف من محن
امباركة بنت البراء "مواطنون من العالم الثالث"، ديوان "أغنية لبلادي" 1991


تعتبر كتابة و تدوين الخواطر والآراء والهواجس التي يجد الإنسان نفسه مضطرا للبوح والإعتراف بها في لحظة من الصراحة و الدرد شة الجادة مع الذات هروبا من تناقضات الواقع والسفر على اجنحة التخييل لخلق عوالم تمتزج فيها الحقيقة مع التصور والرغبة. رغبة تتجلى في لحظات انكشاف وجداني للكاتب عندما يزيح رداء الخيال عن وجه الحقيقة لتتعرى في شكل اسطر يقرؤها البعض ليحكم عليها بالقبول او الرفض. اذن فالكتابة هي ذلك البون الضئيل بين التخييل والتجربة.

من خلال هذه الخاطرة السياسية سوف اترك الكتابة تعبر عني و اترك الحوار الصامت يتحول الى كلمات تتبعثر اشلاء لعلها توصل صراخ قلب مبحوح يبكي كل يوم مرات ومرات على واقع وطني الذي كل ما ابتعدت عنه شعرت به يجتاحني من الداخل و مستقبل لم ترتسم معالمه. كلما حاولت ان أرسم وطني توحدت كل الألوان في لون واحد ...لون قاتم و داكن و تفوح منه راحة نتنة تزكم انفي فأترك الريشة والطاولة والحبر والأوراق والأ قلام واهرب الى ذاتي خوفا منها عليها .

وطني ليس كسائر الأوطان فهو لايخضع لقاعدة الإنتماء و التجذر...
وطني يسكنني كلما حاولت ان ابتعد عنه.. يكتبني بعبارات لاافهمها ورموز لااستطيع تفكيكها..
عندما ارجع اليه لا اجد نفسي ولا اجد الا تلك الأشباح الملثمة التي تظهر مع كل شمس و تتتحول في الليل الى خفافيش تمتص دمائي..


كم هو وحشي وعبثي وطني عندما اسكنه وما اجمله عندما يسكنني خارج الحدود الجغرافية و كتب التاريخ المزيفة...

اشتاق لوطني شوق الضحية الى جلادها وشوق شاة العيد الى الذبح...فأنا اموت وانتحر كل يوم الف مرة ومرة من اجل وطني ...
وطني اشبه مايكون بأورام من الدخان تتعالى في شكل سحب كل يوم لتحجب رؤيتي ..تتكاثر في شكل جدار عازل بيني وبين وطني المكلوم و السجين في دوامة من العبثية السيزيفية ولكن الصخرة لاتتحرك من مكانها جاثمة على صدر وطني....

سمعت و قرأت و فكرت في الطريقة التي يتصور و يشعر بها ؤلائك المحرومين و المنفيون والمهمشون، سواءا على ارضهم او خارجها، اوطانهم...هل يكتبونها ام انهم يقرؤنها مباشرة من صفحات الذاكرة
هل كل ؤلائك مثلي يشعرون بالحزن والتيه والضياع والتشتت ...؟؟
هل حرقت نار الطبقية والظلم والحثالة اوطانهم مثلي..؟ ام انني انا وحدي من يحمل هذا القلق الأزلي في داخله...

قلقي على وطني اكبر من وطني.. اكبر مني ومنه ومن كل الأحلام والرؤى و الأساطير والكتابات...اكبر من الخيال ومن الحقيقة…

فالحقيقة والخيال كلاهما يميل الى التعريف وتمكن الكتابة عنهما... اما وطني فهو الكاتب والقارئ و هو الأوراق والحبر وهو الصوت والصمت وهو العقل في لحظة الجنون و هو الجنون المتعقل...
وطني كل التقاضات تعيش فيه وتتجانس مع بعضها البعض و كانها عزف لسنفونية من انامل بيتهوفن او العازف الكندي غلين غولد.....

***

نسافر عبر المسافات والأمكنة والزمان و يظل الوطن واحدا لايتغير بداخلنا.... نلجؤ اليه كلما نشعر بضيق المكان فيمدنا بفضاء يكفي، على الأقل، للتمتع باستعادة الذكريات والعيش فيها ولو لفرة قصيرة…
كم جميل ان يمتزج التذكر والحنين والخوف على وطني الذي يهرب مني كلما اردت البوح له بخوفي عليه من الغرباء الذين يتظاهرون بالإخلاص له...ؤلائك الذين دائما يلعبون بالنار في وسط زخم اعلامي يغطي ويتستر على العابهم البهلاوانية..

انهم يظهرون احيانا في زي العسكر و احيانا يلبسون البذل التي تبدوا عليهم و كأنها ملابس غجرية و كأنهم زعماء لجوق من الغجر المعروفين بالخداع والكذب و الترحال والنصب والإحتيال....
وطني اسمعه يبكي بصمت كل ليلة ويناجي نفسه في سكون الليل و كأنه يناديني و لكن صوته لايصل الى ابنائه المحروميين و المستغليين لأن اسوار المنازل الفخمة والقصور و ضوضاء الجوقة الغجرية تحجب الصوت و تممر زغاريد وأناشيد تمجد اللصوص و تنادي بقتل البسطاء...

***

الوطن قد يكون مجرد حلم نجسده في كذبة لا نريد ها أن تخضع لمقاييس (ال)حقيقة و الكذب، نتصور الوطن بداخلها و بأنه موجود و له حدود في المكان والزمان وله ثقافة وهوية، لكننا قد نجزم بأن ذات الوطن مجرد استثناء لكل المقاييس. و الشعور بالضياع في وطني المفترض في الواقع اشد وطأة على النفس من التيه في استثناءات تشكل وطني...

وطني استثناء من حيث المكان والزمان و التاريخ والجغرافيا...

No comments:

Post a Comment