Saturday 22 May 2010

موريتانيا: عندما يولد الوطن غريبا

اعل السيخ احمد الطلبة

من المفارقات أن ندافع عن اللغة العربية أو الفرنسية في موريتانيا دون أن نعلم أن ميلاد هذا المنكب البرزخي قد تم إعلانه باللغة الفرنسية تحت خيمة، فالخيمة الموريتانية كانت فرنسية عند ميلاد موريتانيا في يوم 28-12-1960. على تمام الساعة الحادية عشر والنصف صبيحة ذلك اليوم أعلن الرئيس المختار ولد داداه ميلاد الخديج المعتوه الذي ظل يعاني حتى اليوم من أمراض مزمنة وتقلص في العضلات وتشوه في القلب، أعلن باللغة الفرنسية ميلاد شيء غريب كاللغة التي أعلن بها على هذه الأرض التي لازال أهلها لا يفهمون من الحياة سوى أنهم أحياء يرزقون وينتظرون الموت في فتور وانهزامية واستسلام....
إذن لماذا نطالب الآن بتفعيل اللغة العربية في هذا الحيز الفارغ من الحياة و الحضارة و إلغاء الفرنسية التي يعود لها الفضل في إسماع العالم ميلاد هذا الكيان المخبول الذي نطلق عليه مجازا موريتانيا كما نطلق على المجنون عندنا المجذوب؟ لماذا لا نطالب بتفعيل اللغة الإنجليزية التي أعلن الفرنسيون أنفسهم تفعيلها والتعامل بها في قعر دارهم؟ هل هناك لغة واحدة يجب أن تسيطر لتهمش اللغات الأخرى في هذه الصحراء التي لم يفهم أهلها بعد اللغة التي يتحدثها التاريخ والجغرافيا في الصحراء؟ هل يجوز أن نسمح لبعض الذين أعلنوا تشيعهم وموالاتهم لليبيا وإيران أن يطالبوا بتبني الدارجة الليبية الخرقاء أو اللغة الفارسية البلهاء في مجتمعنا الذي هو مشتت مسبقا و متشرذم حول هويته وعرقه ولغته...؟
إن قضية اللغة اليوم في موريتانيا هي انعكاس للضياع والتملق و الموالاة لقوى خارجية بدأت تعبث وتتدخل في وطننا منذ الشهور الأخيرة. فموريتانيا اليوم تتنازعها قوتان قويتان ضعيفتان من الخارج هما ليبيا وإيران. فليبيا ظلت تحاول منذ زمن الرئيس معاوية التدخل في شؤون موريتانيا وضمها إلي صفوف بقية الدول الإفريقية المتسولة و المرتزقة عند الرئيس الذي لا يعرف أنه لا يعرف شيئا. تعرضت طموحات ليبيا في موريتانيا للرفض والممانعة في زمن الرئيس معاوية وساءت علاقات البلدين، ولكن ليبيا بإصرارها و عزمها استطاعت الآن بمالها وسخائها أن تشتري ذمم السياسيين ورؤساء الأحزاب ليبايعوها على عروبة وقومية بائدة ومتعفنة تزكم أنوف الملايين عبر العالم من القوميين الجاهليين والمحبطين والمفلسين سياسيا وإيديولوجيا. فمصر مثلا كانت من أكبر الدول العربية قومية وعروبة لكنها تخلت عن تلك الأفكار المنحطة وأعلنت كونيتها وعالميتها....
أما النفوذ الثاني فهو الحضور المفاجئ لإيران والذي زحف في الليل ليعبر نهر الصنهاجة عندما فاض السيل الجارف عن السنغاليين ليجرف معه بقية أخلاق من السنة و شيء من الكرامة السياسية في وطننا الغريب أصلا عن نفسه. لذلك شهدنا لأول مرة إعلان بعض المرتزقة الموريتانيين تشيعهم تملقا لإيران أو طمعا في تمويل. يحق لنا أن نتساءل: لماذا طردت المغرب الإيرانيين من المملكة و أغلقت المعاهد الإيرانية وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الفارسي؟ هل لموريتانيا أي مصلحة في العلاقات مع كيان مارق منبوذ دكتاتوري تيوقراطي مثل إيران؟ أليس من الأحسن المحافظة على العلاقة مع إسرائيل بدلا من الارتماء في أحضان التشيع و التطرف؟ أليست نسبة الشباب في إيران تتجاوز 80% من المجتمع الإيراني وهي مضطهدة ومهضومة الحقوق ومهمشة باسم الثورة الشيعية( الإسلامية) الخومينية....
نحن شعب أضعف من أن يتحمل التحامل و التمالؤ والتواطئ على وطننا المكلوم الذي يستحق أن نضحي من أجله بدلا من المساومة عليه وعرضه في المزاد العلني لكل من هب ودب. نحن شعب يريد الحياة الكريمة بنظام اجتماعي نابع من الداخل و يسعى إلي مساواة و حفظ كرامة جميع أبنائه بغض النظر عن العرق واللون واللغة....
من المحزن والمخزي أن نرى بعض السياسيين والبرلمانيين يذهبون جهارا نهارا لتقديم هذا الوطن الهش الضعيف الذي يحتضر قربانا بين يدي آلهة ظالمة جائرة و عاجزة عن أصلاح ذات البين في أرضها. إنه لمن العار و الخزي أن يعلن هؤلاء السياسيون أنهم بايعوا عدو الأمس على عروبة هذا البلد الذي لم يكن يوما عربيا وليس فيه من العروبة سوى تشابه تضاريسه مع الصحراء الجاهلية. هل يستحق هؤلاء المرتزقة منا الاحترام و التبجيل وتجديد الثقة لهم....
إن التحامل على هذا الوطن نابع من هشاشة النظام السياسي الذي ظل منذ 50 عاما يعمل على تهميش وتغريب هذا الوطن المسكين عن نفسه وأبنائه. منذ الأيام الأولى لموريتانيا كان من الواضح أن المستعمر لم يرد إلا إسقاط همزة الوصل من الجملة الإفريقية والعربية ليضمن حضوره الأبدي في المنطقة. همزة الوصل هذه هي موريتانيا التي لا يراد لها أن تحدد موقعها ولا موقفها من التاريخ والجغرافيا، فماذا سيحدث لو أصبحت موريتانيا عربية أو أعلنت إفريقيتها....؟
أعتقد أن المحدد الأساسي للهوية الموريتانية ليس العروبة أو الأفرقة بل هو في الوعي بالمكانة الإستراتيجية للبلد والعمل على استغلال هذا التعدد في الهوية كمؤشر ايجابي لخلق جو من التماسك والتعاون بين جميع دول المنطقة لتحديد المصير و فرض القيمة الحقيقية لموريتانيا. لكن هذا الاستغلال لن يتم قبل أن نستعيد كرامتنا من الفرنسيين والعرب على حد سوى. فالفرنسيون لا زالوا يسرقون ثرواتنا من المعدن والسمك ويبيعونها بثمن بخس للإتحاد الأوربي، أما العرب فيعملون على تكبيلنا وتهميشنا من خلال ترويج بعض الأفكار الساذجة والمنتهية الصلاحية كالجامعة العربية و القضية الفلسطينية....
يراد لوطننا أن يحدد هويته ولغته دون وعي وأن يختار أي الصفوف سيقف فيها، لكن خمسين سنة ليست كافية في أعمار الشعوب والأوطان لتحديد الهوية واللغة و الموقع السياسي. هذا التأرجح والضياع والهشاشة في الموقف الموريتاني هو ما سمح لفرنسا أن تعمل على السيطرة على هذا الجزء من العالم المنسي رغم بعض الأطماع العربية و الإيديولوجية الأخرى التي بدأت تضغط على موريتانيا من أجل التبعية الكاملة أو حتى الجزئية التي قد تفي بالغرض إلي حين كما تريد ليبيا وإيران وربما بعض الدول الأخرى....
اللغة بالنسبة لي ليست المشكل أو العائق المطروح في موريتانيا بل ما يراد من وراء تفعيل هذه اللغة أو تلك. اللغة حيادية و أداة تواصل كما أنها سلاح و ثقافة وتاريخ و تبعية وفكر واستجلاء واختلاف و تفكير وتناغم وتنافر. فاللغة ليست هي الأوطان، بل الوطن أشمل بكثير من اللغات وقد يتسع لأكثر من لغة وعرق و هوية وثقافة وتاريخ. لكن الخطير هو عندما نجعل من اللغة أداة لتغريب الوطن وأن نمارس طقوس الميلاد و التشييع والقتل لوطن لم يزل في انتظار أن يتعلم الوقوف والتهادي لقطع خطوات نحو المجهول كما هو الحال لموريتانيا...
لقد تعلمت أن أحب وطني باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية، لكن وطني ظل دائما يكرهني بالعربية أحيانا وبالفرنسية أحايين أخرى فماذا يمكن أن أفعل؟ فأنا لا أملك و لا أحب من الأوطان إلا وطني. فهل يمكن للوطن أن يحب من لا ينتمون له أكثر من الذين يضحون من أجله؟؟؟

نعم يمكن له فقط عندما يولد غريبا....

No comments:

Post a Comment