Saturday 22 May 2010

أنا واللغة العربية في موريتانيا....

اعل الشيخ احمد الطلبة

منذ أيام تلقيت دعوة من نادي اليونسكو للمشاركة في ندوة حول " اللغة العربية في عصر العولمة." قبلت الدعوة رغم كثرة الانشغالات لسببين أساسيين: الأول هو أنهم أخبروني بأن المشاركين هم نخبة من المثقفين، في وطن يعاني من ندرة المثقفين، أما الثاني فهو فضولي لمعرفة العلاقة بين اللغة العربية و العولمة في موريتانيا. فالعنوان الذي تم اختياره للندوة يثير، في حد ذاته، نوعا من التناقض والفضفضة و السفالة المبتذلة....

المهم أني حضرت للندوة للاستفادة والمشاركة و تبادل الأفكار من خلال اغتنام فرصة التواجد بمعية جمهرة من المثقفين، على الأقل، كما قيل لي. بدأت الندوة بكلمة افتتاحية كانت أشبه بتقديم الولاء للحكومة وتأييدها لدعم اللغة العربية في وطن عرف باللغة العربية أكثر من أي قطر آخر في المنطقة الجغرافية المجاورة....

ثم بعد ذلك تتالت مداخلات المشاركين لأكثر من ساعة ونصف، تفاوتت بين الحديث عن العربية و علاقتها بالصحافة والإعلام و اللغة العربية في الدوائر السياسية واللغة العربية في المنظومة التعليمية، ثم الحديث عن اللغة العربية وكأنها الحل الوحيد والعصا السحرية أو كلمة السر التي يمكن أن نضمن بها انضمام مجتمعنا إلي مصاف الأمم الراقية...

لكن العنوان تم إهماله و التخلي عنه رغم حضوره على يافطة ملونة في خلفية المتكلمين يصرخ في معانات صامتة وظلم صريح. ربما لم يتناول الموضوع بسبب عدم قدرة المشاركين على فهم العولمة أو عدم قدرتهم على تصور اللغة العربية أكثر من كونها لغة. المهم أني لم أجد أي شيء مما توقعت و لم أشفي غليلي، ولذلك عندما وصلني الكلام اخترت إثارة البلبلة الثقافية و الشغب الأكاديمي من خلال تسليط الضوء على تجاوزات الأصدقاء المشاركين وانتقاد الطرح الأخرق الذي تم تناول الموضوع من خلاله....

أكثر ما أغضبني هو العروبة الزائدة في الخطابات أو بالأحرى الخطب التي قدمها المشاركون دون إثارة أي تساؤلات و لا حتى دون محاولة استخدام مصطلحات أكاديمية، فاللغة العربية بالنسبة لهم هي لغة فحسب و جدت للشعر والتواصل في الصحراء وهي لغة القرآن و معجم الإسلام ويجب على كل البشرية تعلمها من أجل الخلاص و النجاح....

للأسف، لم يستطع هؤلاء المثقفون أن يدركوا أن اللغة وطن وهوية ووجود و صراع و أمل وألم، اللغة هي سلاح للتنمية وبذرة فناء للثقافة و لاسيما في مجتمع متعدد الأعراق و متنافر الثقافات كموريتانيا....

هل من الممكن أن لا يدرك مثقفونا إشكالية اللغة و التنافر الذي يتسع كل يوم ليصبح شرخا وبونا شاسعا بين مكونات شعبنا الظالم لنفسه والمظلوم من أبنائه ؟ أم أن هؤلاء المثقفين تعلموا الحديث بالنيابة عن السلطان و تعلموا السطحية والتملق و الاكتفاء بالقشور و ترك الجوهر كما هو؟ أليس من الخطورة بمكان أن يصبح مثقفونا ونخبتنا أبواقا تردد صدى السلطان الجاهل والساذج؟

علمت ذات المساء أن الندوة أقيمت تملقا للإعلان الحكومي لتفعيل اللغة العربية في مجتمع أصبح فيه العرب أقلية. أسبوع يطلق عليه " أسبوع اللغة العربية"، متجاهلين أن المشكل الحقيقي أعمق من أن يحل في أسبوع ولا في سبع سنوات من التشاور والمشاورات والصراحة مع الذات و محاولة إشراك الآخر.

حوارنا حول اللغة العربية هو حوار الثقافة مع ذاتها باستخدام لغة جامعة، فاللغة المشتركة بين مكونات مجتمعنا لازالت مفقودة ولا أعتقد أن اللغة العربية تصلح لأن تكون هي الأداة الفاعلة و الناجعة في هذا السياق.....

اعتقد أن الدعوة لتفعيل اللغة العربية في موريتانيا هي خطوة نحو المجهول و اقتراب من حافة التقهقر والاضمحلال نحو المستقبل الذي يزيد غموضا يوما بعد يوم. قد تكون هناك أجندة خفية ودعم وتمويل من طرف بعد دول الجوار الذين اعتادوا على التدخل في شؤون الآخرين. لكنها أيضا قد تكون مبادرة ارتجالية من النوع الذي تعودنا علية، كسمة بارزة على تفكك و انعدام التركيز في حكومة لا تفهم من واجباتها سوى تضليل شعب أعزل ولو كان ذلك عن طريق العزف على وتر اللغة والدين و التمايز، فلماذا الدعوة إلي الخلاف والاختلاف ونحن في محفل الجد والائتلاف؟ أليس من الهرطقة اعتبارنا مجتمعا موحدا وتجاهل الفسيفساء العرقي و الاجتماعي لموريتانيا؟

مما لا مراء فيه أن المجتمع الموريتاني مر بفصل عنصري وتمييز عرقي على أساس التعليم في أواخر السبعينات من القرن الماضي كانت حصيلته إصلاح التعليم الجديد في 1999 والذي بدوره عمق الهوة والإحساس بالضياع. على الأقل، من الأشياء التي تحسب لهذا الإصلاح الأخير هو انه دق آخر مسمار في نعش التعليم في موريتانيا و أكد حقيقة واحدة غير قابلة للدحض ألا وهي عدم جدوائية التعليم في بلد لا يستحق التعليم أصلا....

بين هذا الإصلاح وذاك، تعاقبت الحكومات و تغير الوزراء دون أن نسمع بطلب إعادة النظر في المنظومة التربوية والتعليمية في هذا المكب البرزخي. فوزارة التهذيب عندنا ليست للتعليم. فالتهذيب يعني الترويض والتدجين والعمل على إعادة إنتاج مواطنين ومثقفين من أمثال المشاركين في الندوة، ليست لديهم القدرة على التفكير خارج دائرة السلطان؛ فالحقيقة والمعرفة عندهم هي، قبل كل شيء، يجب أن تظل في يد السلطان....

يجب أن لا نسمح لأي لغة و لا لأي حكومة أن تتلاعب بمستقبل مجتمعنا الذي مافتئ يتفكك تحت وطأة حمل العروبة و تصدع الهوية. نحن شعب متعدد الأعراق واللغات والثقافات، أشبه بلوحة تجمع كل الألوان والروائح في إطار جغرافي و سياق تاريخي واحد، فلماذا نعمل على قطع حبل الوصال وترك الأشياء تتداعى؟

من الضرورة الحديث عن الوحدة والتآلف والتآزر و الوقوف صفا واحدا وراء أي لغة يمكن أن تفي بالغرض، وكل اللغات يمكنها ذلك....

فاللغة الفرنسية والإنجليزية لا تؤثر على الهوية والانتماء بقدر ما تثري العقل و تنير التفكير و تروض الملكة على تقبل الآخر والتعايش معه بكل خلافاته واختلافاته. فهذا كاتب ياسين، المسرحي والصحفي والروائي الجزائري الذي لا يعرف العربية يقول إن " اكتساب أي لغة أجنبية يمثل قطيعة ثانية مع الأم." أما المفكر ألأممي افرانز فانون فيرى أن " تكلم لغة يعني، فوق كل شيء، الاعتراف بسمو ثقافتها على الثقافات الأخرى."

فلماذا نريد فرض اللغة العربية على الأعراق الأخرى في حين أن الشرط الأول في ولوج الإدارة عندنا معرفة لغة المستعمر؟ لهذا السبب، فإن تفعيل وتطبيق اللغة العربية هو ظلم في حق العروبة و جور في حق الذات وتهميش للآخر....

No comments:

Post a Comment