Saturday 22 May 2010

أحزابنا السياسية..... مؤسسات للربح أم مشاريع للتنمية ؟؟

اعل الشيخ احمد الطلبة

إن المتأمل للساحة السياسية و المراقب للعبة شد وجذب الحبل بين الحزب الحاكم والمعارضة لا يخفى عليه مدى الانحطاط والتخلف السياسي الذي يعاني منه البلد. في أغلب الأحيان لا أكاد أميز بين رئيس الحزب الحاكم ورئيس الجمهورية نفسه و بين أحد النواب من الأغلبية و رئيس الحزب الحاكم، في السياسة عندنا تتداخل الوظائف السياسية مع العضوية و الوظيفة. أما ما يطلق عليه منسقيه المعارضة الديمقراطية تبدوا في اتهاماتها للحزب الحاكم أشبه بمن يريد نصيبه من كعكة ستقسم في حفل خيري مكتظ بالمدعوين والمتسللين. قد يكون من العسير، أو حتى المستحيل، أن نحدد هل أحزابنا السياسية هي مشاريع للتنمية أم أنها مجرد مؤسسات للربح.....
في الأيام القليلة الماضية تفاقمت الأوضاع و طفح كيل الشتائم والرسائل المبطنة والملغومة بين الحزب الحاكم الذي نجح بقدرة قادر ليحتكر الحكم والمعارضة التي وجدت لتمارس حق الصمت وتتفرج من بعيد على قرارات الحكومة، لأنها معارضة ولم تستطع التحالف مع شياطين الانتخابات الرئاسية منذ 1992. تفاقمت الأوضاع واتسعت الهوة بين الجانبين ليعلن رئيس الحزب الحاكم السيد محمد محمود ولد محمد الأمين أنه سيتصدى للمعارضة إذا لم تقف عند حدودها و مقاضاتها واتهامها بإثارة البلبلة والمساس بالأمن وكأنه وكيل الجمهورية أو رئيس الجمهورية متناسيا أنه مجرد رئيس حزب سياسي كما أنه للمعارضة أحزابها ورؤساؤها.....
أعتقد انه من حق المعارضة بل من واجبها مراقبة الحكومة و إشراك الرأي العام في صيرورة تطبيق الحكومة وتنفيذها للوعود التي تعود الشعب الساذج على تجرعها بماء مرارة ارتفاع الأسعار و الفوضى وتأخر الرواتب، بل وحرمان الكثير من الموظفين من وظائفهم. إنه لم دواعي السخرية أن تكون الحكومة عاجزة عن صون كرامة 45000 موظف حسب آخر إحصاء للموظفين في دولة تزيد مساحتها عن مليون كلمتر مربع ، بل إن الرسميين منهم لا يزيدون عن 7000 موظف قد لا يستحق منهم منصبه سوى 0.1 %.....
تتهم المعارضة الحكومة بسرقة 50 مليون أورو تم منحها للدولة الموريتانية لمساعدة القطاعات الأمنية في بلد لم يعرف الأمن منذ ظهوره للوجود منذ خمسين عاما. هذا المبلغ، حسب بيان المعارضة لم يعلن عنه في ميزانية 2009 ولا 2010. فأين تذهب أموال المساعدات.... ؟
نحن جميعا نعرف أن مصدر سوء التفاهم والكراهية بين أي حكومة في بلدنا والمعارضة هو بسبب طريقة توزيع أموال المساعدات الخارجية والصدقات. إن حكومتنا وشعبنا ورجال أعمالنا و الساقطين واللا قطين لا ينتجون أي شيء ولا يحاولون إنتاجه بل ينتظرون ويخططون لتقاسم بعض المساعدات الخارجية حتى وإن كانت لا تزال حبرا على ورق. أليس من العار واللامسؤولية أن لا نحاول تفعيل وتشجيع الإنتاج والتصنيع بدل العيش على الارتزاق والتمرزق والتسول عند الأمم الأخرى ؟ أليست لدينا ثروة تكفي لحفظ كرامة هذا الشعب الأعزل الذي تخلى عن حسه وكرامته حين سلبت منه و لم يحاول استعادتها....؟
يقولون إن "من لا يملك وسائل إنتاجه لا يملك قراراته ولا يملك كرامته"، ونحن لا نملك وسائل الإنتاج ولا مواد الإنتاج ولا قرارا و لا كرامة فما هو الحل إذن.....؟
إن من يستمع إلي الطريقة التي يتحاور بها الحزب الحاكم والمعارضة لا يمكنه إلا أن يتوصل إلي استنتاج واحد هو أن الحزب الحاكم عندنا هو وحده المخول له أن ينفرد ويحتكر الحكم وأن المعارضة لها دور واحد وهو المعارضة، هذه فلسفة جديدة في الحكم الرشيد والسياسة الديمقراطية، فالديمقراطية عندنا لا تعني التعددية بل الأحادية والشمولية. لم نعرف بعد أن التعددية الديمقراطية تعني بالدرجة الأولى تقاسم السلطة بين جميع الفاعلين والأحزاب السياسية كل حسب وزنه ومكانته. هذا نوع من الديمقراطية يسمح بالتشارك في القرار السياسي و العمل على صياغة الرأي الوطني بشكل يبعث على العدالة ويضمن كذلك للحزب الحاكم الاشتراك في الحكومة عندما تصل المعارضة إلي السلطة بعد حين، لكن المعارضة عندنا ولدت من أجل المعارضة.....
إنه لمن دواعي القلق و الحزن أن يستنتج بعض البرلمانيين من الأغلبية مفهوما سياسيا و مذهب جديد في الديمقراطية مفاده أن الحزب الحاكم فاز في الانتخابات الرئاسية ليحكم ويتفرد بالقرارات السياسية وليس من أجل استشارة المعارضة أو إشراكها في عملية الاختلاس وأكل المال العام والغلول والبنعمة الوظيفية وتقاسم التمويلات والتبرعات السخية التي تأتي من الخارج، وكأن الإثراء بلا سبب حق مشروع فقط للذين يمثلون الأغلبية الحاكمة.....
إن تعدد الأحزاب في جميع دول العالم دليل على الشفافية والعدالة والديمقراطية وتنوع الأصوات بتنوع القضايا الوطنية الملحة، لكن كثرة أحزابنا التي تكاد تكون بعدد المتطفلين على السياسة تعكس عقلية البداوة والأنانية المفرطة التي لازالت تطبع حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والفكرية وكذلك السياسة. ففي هذه الرقعة من الصحراء، أن تكون سياسيا يعني أن تتلاعب بثقة الآلاف من المواطنين الأبرياء و أن تعيش في وهم التغيير والبناء وتزييف الديمقراطية، فالأحزاب السياسية هي مؤسسات للربح وليست مشاريع للتنمية.....

No comments:

Post a Comment