Tuesday 13 July 2010

تحرير السمعيات البصرية في بلد يحتاج إلي السمع والبصر...

يشاع هذه الأيام أن السمعيات البصرية تحررت مع كل ما يمكن طرحه من إشارات استفهام حول هذا التحرير وهل ينفع في بلد كوطننا موريتانيا، حيث العقول والشجر والحجر كلها أشياء تحتاج إلي التحرير... أي نوع من التحرير يراد لهذا القطاع الذي لازال يقطع من عقولنا ما شاء لحساب الجنرال وحاشيته من الخدم والمرتشيين من برلمانيين وشيوخ يخرفون بالتعاويذ والتسبيح باسم الخالق صاحب الحزب الجديد...

أتساءل كم من هؤلاء البرلمانيين يفهم الغرض والهدف من وراء السمعيات البصرية و ما هي السمعيات البصرية بالنسبة لهم؟ و ما هي علاقتها بتشكيل الرأي العام وتفعيل العملية السياسية في بلد لا تعدو السياسة فيه رياضة لا يمارسها إلا من له قبيلة وجهة ومال ومن لا وطن له؟ أم أن ما تعلق بالسياسة والدين تم استثناؤه من قانون التحرير واحتكاره على الجنرال ليتهم به من شاء ويسجن به من شاء ويرضى به عن من يشاء؟ أم أن التحرير السياسي للسمعيات البصرية لازال يراد به التفاوض مع الماحين والمتصدقين.... ؟

هل نحن بحاجة إلي محطات تلفزيونية قبلية وجهوية تزيد من انقساماتنا والعرقية وتطحن الهوية؟ أم أن تنظيم هذا القطاع وتحريره يضمن ترسيخ الوطنية و التفاهم الاجتماعي الذي نتوق إليه منذ عقود؟ أم أن هذا التحرير هو فقط تحوير في السياسة وضرب من الكذب والخداع السياسي الذي أصبحنا نقتات عليه في الصباح كالخبز....

لقد عشنا ما فات من الزمن بتلفزة واحدة بناها لنا زعيم عربي انقلبنا عليه وإذاعة يتيمة تركها المستعمر وجاءت محمولة على متن سيارة من وراء النهر ولازالت في نفس المستوى من العطاء بل تراجعت من ناحية المضمون والأهداف. نفس البرامج التي لا تخدم إلا البلاط وتقديس وتمجيد من يصل إلي البلاط على ظهور الناس أو ظهور الدبابات.....

هل يفتح هذا التحرير الباب أما مرتزقة الإعلام للتكالب على إنشاء محطات تلفزيونية أو إذاعات تستغفر البطل الهمام ولا تفتر ليل نهار؟ وتقوم أخرى بالفتوى لكل من أراد أن ينقلب على الحاكم ؟ وأخرى برطانة لم نسمع بها في آبائنا الأولين لنعود إلي نقطة الصفر التي نزلنا تحتها بأميال منذ الاستقلال المزعوم؟
ما جدوى تحرير السمعيات البصرية ونحن لازلنا في أمس الحاجة إلي السمع والبصر؟؟؟

Saturday 10 July 2010

محمد ولد سيدي يحيى و محمد الحسن ولد الددو... إشكالية اللغة ؟؟؟

يعتبر مجتمعنا الموريتاني متدينا بطبعه وسجينه وظل يعتمد على الحفظ بدل الكتابة والتدوين. كانت الخيام المضروبة في كبد الصحراء و ظروف العيش الصعبة تملي على الإنسان الموريتاني أن يأخذ من الدين ما تيسر بالحفظ لأنه لا وجود لكتاتيب ولا التحضر الذي يرتبط بالاستقرار....

يعتبر البعض أن هذه الملكة الخارقة للحفظ نعمة يتميز بها الموريتانيون دون غيرهم، لكنها نعمة تحمل في طياتها نغمة تتمثل في الاعتماد على التذكر والسرد وإهمال التدبر والتفكير. لذلك ظلت الثقافة الدينية عندنا في المحاظر –ولازالت- تعتمد على الحفظ وليس على المنطق والجدل، فالطلبة هناك يحفظون أخليل والموطأ والرسالة والطرة على أنها كتب منزلة ومقدسة تقديس الكتاب والسنة...

يكفي الواحد منهم فخرا وتبجحا أن يحيلك إلي أبيات تشبه الطلاسم في البناء وتتنافر في الموسيقي ثم يردف قائلا هذا شاهد من أخليل. لا يعرف الكثير أن أخليل كان عسكريا في جيش العثمانيين لكنه أصبح ملك الدين والتدين في المنكب البرزخي....

بدأ هذا الفهم التقليدي للدين في الانحسار أمام خطاب ديني جديد يعتمد على لغة جديدة في الدعوة وترسيخ مفهوم الخطاب في الدين مع ظهور السيد الداعية والعلامة محمد ولد سيدي يحيى في تسعينيات القرن الماضي ( مع العلم أنه بدأ الدعوة في الثمانينات) الذي أستطاع بكل عزيمة وإصرار أن يساهم في نقل الدين من نظم ومنمنمات على هوامش الطرر إلي المساجد والبيوت والشوارع والتاكسيات و الباصات....

إن الملفت للانتباه في خطاب العلامة محمد ولد سيدي يحيى هو الفهم العميق للواقع وملكته العجيبة على استنباط الأحكام الشرعية من مداركها الواقعية. أصبح الدين مع ثورة العلامة محمد ولد سيدي يحي علم اجتماع يتناول الأسرة والرجل والمرأة والفهم والسياسة والدين والعبادة والعقيدة والتأويل بأسلوب لا يخلوا من الصراحة والنكتة المؤلمة أحيانا...

المنعرج الثاني في الخطاب الديني وعلاقته باللغة بدأ مع العشرية الأخيرة من القرن الماضي وبالتحديد مع عودة الداعية الشاب العلامة محمد الحسن ولد الددو الذي بدأ بتأصيل ثقافة المنابر و جعل من جامعة نواكشوط لأول مرة منبرا دينيا يستهدف الشباب وركيزة المستقبل. وفي ظرف زمني وجيز انتشرت هذه الصحوة في أوساط الموريتانيين، المجتمع البدوي الذي يحب الجديد ويكره التجديد....

تجدر الإشارة إلي أن الخطاب الديني للعلامة محمد الحسن ولد الددو ظل نخبويا في طرحه واللغة التي يستخدمها. فمثلا اللغة العربية الفصحى التي يخطب بها العلامة الشاب لا يفهمها أغلب الناس البسطاء من الذين لم يدرسوا في الأكاديميات. لذلك ظل الخطاب الديني السلفي مع العلامة الشاب موجها، عن قصد أو غير قصد، إلي فئة معينة من الشباب، وهو خطاب لا يخلوا في مجمله من التأثر بطرح غريب على هذه الأرض البدوية....

هذه النخبوية في الخطاب الديني للصحوة الشبابية بالتقابل مع البساطة التي يتميز بها الخطاب الأول هي ما جعلني أكتب هذه الأسطر بحثا عن نقاش وإثراء للموضوع بعيدا عن التعصب وضيق الفكر. فالعلماء علماؤنا جميعا والخطاب موجه إلينا جميعا بالدرجة الأولى والوطن يتسع لنا جميعا...

طبعا لا يوجد أي تعارض بين الأهداف والغايات التي يسعى إليها كل من الخطابين. لكن اللغة تختلف إلي حد التعارض و التباين في الجمهور والطرح والنقاش. أذكر هنا أني ناقشت هذا الموضوع مع أحد شيوخ المسجد حين سألته عن التباين و الاختلاف بين اللغة في الخطاب الديني عند العلامة محمد ولد سيدي يحيى والشاب محمد الحسن ولد الددو فقال الشيخ: " طبعا لاشك أنهم ينتميان لنفس القبيلة. ولد سيدي يحيى عجيب في فهمه للواقع ويتكلم الحسانية وأنا أفهمه جيدا. أما هؤلاء الشباب فيتكلمون بسرعة شديدة ويستخدمون مكبرات الصوت التي تشوش على كلامهم أحيانا. وأنا أعلم أنهم جيدون ومؤثرون لكننا نحن الشيوخ لا نفهمهم."

طبعا المشكلة ليست في الخطاب الديني بقدر ما هي إشكالية لغوية في مجتمع تزيد فيه نسبة الأمية على 75% ولكي نفهم الدين لابد من اللغة. فهل تؤثر اللغة على الصحوة الدينية وبناء الخطابات الدينية المتعددة التي بدأت تظهر في موريتانيا، أرض البداوة والإسلام وغياب النظام السياسي....؟

Friday 9 July 2010

UPR: …..الجمهورية من أجل الحزب

كثيرة هي أحزابنا السياسية لدرجة تجعلني أعترف بين يديكم أني لا أعرف جميع الأحزاب التي تمارس السياسية أو التسس في بلاد المليون متسيس. تكثر أحزابنا السياسية كلما اقتربت الانتخابات وتقل حسب النشاط السياسي شأنها في ذلك شأن السياسة عندنا موسمية و السياسيين في بلدنا أصنام جاثمة لا تكبر ولا تشيخ ولا تستقيل ولا تترك المجال لأحد يفيد ويستفيد...

أنا على يقين أن الكثير منكم أيضا لا يمكنه أن يعد على أصابع يديه أحزاب سياسية ناشطة على الساحة مع أن أحزابنا زادت في عددها على أحزاب القرآن الكرم، لكنها لا تنفع في الذكر ولا التذكر بل هي مؤسسات فردية أو جهوية هدفها بوتقة الناس و القولبة الأخلاقية والمعنوية لكل من سولت له نفسه مخالفة شيخ القبيلة أو الصنم الكبير....

الأدهى من ذلك والأمر ليس تعدد الأحزاب وتكاثرها الفطري ولا انقساماتها الميوزية والميتوزية، بل ما يخيفني أكثر هو تلك السياسة التي يمكن أن نطلق عليها ظاهرة "حزب الرئيس". فكل رئيس يصل إلي السلطة في بلا السيبة ينشئ حزبا يسبح باسمه ويتعبد في محرابه....

في بداية ميلاد الخديج السياسي المعتوه الذي سماه البعض موريتانيا، كان هناك حزب الشعب الذي حاول صهر جميع الناس والعباد والدواب والحجر والشجر في حزب واحد أطلق عليه تورية "حزب الشعب" من أجل الشعب ليظلم الشعب ويضطهد الشعب. أما في فترة العسكر فكانت هناك أحزاب النياشين والبذلات الغبارية و سياسة الأحذية الخشنة....

جاء كبيرهم الذي علمهم التسيس معاوية ليطوع الحزب للقبيلة ويبدل الزي العسكري ببذلة منمقة تحمل في طياتها عجرفة العسكر وضيق فكر السياسي المحنك في أرضنا التي أضحت فيها السياسة لعبة لا يمارسها إلا كل أصم معتوه لا يفقه من القول إلا حب السلطة والتسلط....

أما الآن وبعد أن ترنح الوطن المكلوم والرازح تحت جحافل العسكر والانقلابات يراد لنا أن نضحك ونقدس الحزب الواحد ونمارس السياسة والحب ونتنفس باسم "حزب العزيز"، الحزب الذي يدعي أنه حزب من أجل الجمهورية ولكنه حسب كل المعطيات والقرائن الدلالية والبلاغية والمعنوية والمادية يكرس الجمهورية من أجل الحزب.....

حزب " الإتحاد من أجل الجمهورية" هو حزب لا يعدوا كونه حزب التجمهر و هدفه حشد الجماهير السذج حول كل تجمع تافه ليضمن التصفيق لأتفه الأسباب. ظل الحزب يمارس طقوس الرعونة في حق الشعب ويتلاعب بسلطة الدولة أحيان باسم الأغلبية وأحايين أخرى باسم التحسيس و الانتساب. منذ فترة وهو يمارس الإشهار والترويج لاجتماع تأسيسي لن يعدوا كونه مناسبة ليغيظ المعارضة التي لا تعارض إلا من أجل المعارضة والتي أحيان تركع للحكومة طمعا في بقية أخلاق أو شيء من التقوى....

هل عندنا حزب يستحق الثقة؟ هل جميع أحزابنا تخرج من مشكاة واحدة يظلم بعضها بعضا؟ لماذا لكل رئيس حزبه؟ ألا يجب أن تكون الأحزاب رؤية لتنمية الوطن غير مرتبطة بأفراد ورؤساء؟ متى سنفهم أن السياسة فن الممكن و العمل المشترك؟ لماذا لم تشهد موريتانيا أبدا مصالحة بين المعارضة والحكومة؟ هل تمثل الحكومة الشعب؟ أم أن الشعب لايمثل نفسه أصلا.....؟

Thursday 8 July 2010

عندما يصبح الزواج وسيلة للتعيين السياسي..؟؟

جاء الشاب من المغرب بعد أن حصل على شهادة في الطب منذ أشهر قضاها في التسكع في شوارع نواكشوط المغبرة و دهاليز المؤسسات المرتشية شأنه في ذلك شأن الكثير من الشباب الموريتانيين الذين يحصلون على شهادات عليا من الخارج ليتعلموا التسكع في داخل الوطن...

لكن صديقي العزيز لم يرضى بالتسكع فقد لجأ بمساعدة من والدته الخبيرة بالنساء النافذات في الحكومة والدولة الموريتانية، لأنه في موريتانيا ثبت مؤخرا أن النساء هن اللواتي يحكمن ويتحكمن في التعيينات من وراء الكواليس. فكم من وزير عين من أجل عيون أخته التي يتزوجها الوزير الأول وكم من الرجال تمت ترقيتهم بسبب ولائهم لمن يتزوج أخت زوجة الرئيس....

كانت والدة صديقنا ذكية عندما زارت منزل أحد النافذين طمعا في عطف المرأة التي تقبض وتبسط بحكم علاقتها بالقصر الرمادي، بعد الحديث والسلام والتذكر والتذكار قدمت الوالدة الحنونة ملف إبنها الحامل لشهادة عليا وكأنه الوحيد في العالم الذي تنقصه وظيفة وكأنه ظلم وأمضى سنينا من عمره يجول في شوارع نواكشوط. قالت السيدة النافذة إنها ستبذل قصارى جهدها في إيجاد عمل للابن البار الذي عساه أن ينفع أمه التاجرة النافذة في سوق النساء والتي بدورها يمكن أن تقم خدمات من نوع خاص....

بعد يومين من الانتظار تذكرت الأم أن الأسرة النافذة لها بنتان لم تتزوجا بعد فقررت أن تطلب يد إحداهما لإبنها العاطل عن العمل بل ولعل هذا الطلب يسرع من إجراءات التعيين وتوفير الوظيفة. ذهبت إلي منزل النفوذ الشامل مرة أخرى لكنها هذه المرة تحمل معها طلبا وعرضا قابل للنقاش و التفاوض. بعد أن أبلغت الأم المرأة برغبتها في مد جسور من نوع خاص أحيل الملف إلي الأب والذي وافق بدوره لأنه لم يكن ليرفض بعد الضوء الأخضر من المرأة وملكة المنزل والآمرة والناهية...

طرحت الأسرتان خطة للزواج في غضون أسبوعين وكان السبب المعلن لذلك تشييع الخبر و التحسيس بزواج البنت المدللة في زمن أصبح فيه الزواج صعبا وعقبة أمام آلاف الشباب الكادحين والحالمين بالطمأنينة في زواج تحيل على التعقيد في أغلب الأحيان.....

بعد أسبوع من الموافقة صدمت بخبر تعيين زميلي الذي كان بالأمس يقول لي إنه لا يعرف كيف يمكنه أن يعيش ولا كيف أن ينفق على زواجه وأنه لا يثق في هؤلاء المرتشيين والزمرة المتنفذة.... سبحان الله بعد أيام التقيت بصديقي وقد تغير ألف درجة بل وأصبح يقود سيارته وأستأجر منزلا في حي تفرغ زينة تم تجهيزه بأحسن الأثاث....

جاء خبر تعيين صديقي كمدير عام لأحد المستشفيات في العاصمة نواكشوط....

هل أصبح زواج المصلحة الحل الوحيد للبطالة؟ هل يبيع المرء جسده ومبادئه من أجل النفوذ السياسي؟ أم أن هذا النوع من زواج الرفاهية حكر على طبقة معينة في المجتمع؟

Sunday 4 July 2010

موريتانيا: الوطن... الأرض... الإنسان... علاقة تحتاج إلي التفكير...

اعل الشيخ أباه أحمد الطلبة

في زيارتي الأخيرة إلي أطار لاحظت تحولا عميقا في العلاقة بين الوطن والأرض و الإنسان خلال العقود الأخيرة. قد لا أكون موضوعيا لأنني لا أزال أحاول التفكير والتدبر في حيثيات وانزياحات الموضوع والذات، الموضوع الذي بحضوره يفرض إعادة اعتبار الذات في ضوء المتغيرات الراهنة والذات التي تحاول عبثا الرجوع إلي الأصل لتقتبس من الجذور ما يسمح لها تفكيك رموز الأرض والانتماء والهوية وعلاقة الإنسان بالأرض....

الأرض هي الموطن والوطن هو الشعور بالتشبث و السعادة بالعودة على بدء كلما جار الحنين على البعد، في وطن كموريتانيا الجميلة والتي تتمتع كل زاوية منها بخصوصية جغرافية أو عرقية أو أركيولوجية تجل منها وطنا يتحسر على انقطاع العلاقة الحميمة التي بدأ الجيل الحديث يتجاهلها كلما رأى بصيصا أو نورا في آخر النفق، نعتقد أن علينا الدخول في النفق المظلم من أجل الوصول الي غاية هي أصلا متأصلة فينا لكننا قد نستمتع بالنور والضوء خارج النفق....

إذا جاز لي أن اعرف وطني موريتانيا بأنها الشعور بالتاريخ والجغرافيا معا في حدود التجاهل والكسل الرهيب الذي يسيطر على رغبة أبنائها في البقاء داخل القمقم المظلم والعيش على أحلام قد تتحقق لكنها تظل أحلاما، أقصد هنا النسيان والتجاهل الذي أصبح عبادة يمارسها الكثير منا لتقتنع الذات بعدم الجدوائية من حب الوطن ولتموت التضحية على سفح الفضول و التمزق الذي يعاني منه الوطن المظلوم من لدن الأقربين....

أرجوا أن نتعلم كيف نحب الوطن ليحبنا بل أيضا من أجل أن يعطينا أفضل مالديه. أتعجب كيف نريد للوطن أن يحبنا ونحن لا نزال عاجزين عن منحه أكثر من شبر في قلوبنا....

أما الأرض في الكتاب الذي نتعلم فيه كيف نوجد ونخلق الوجود بالصراع من أجل الانتصار. خلال زيارتي الأخيرة لاحظت كيف يقهر الإنسان الأرض ليجعل من جبالها جنان نخل باسقة تعطي بكل سخاء دون أدنى اكتراث لصعوبة الأرض. كأن الأرض في موريتانيا تعلمت أن تستسلم أمام إرادة الإنسان الكريم الذي تعلم أن يعيش في الصحراء ويجعل من الأفق موطنا ومن الجبال حدودا ومن الواحات ملجأ وكتفا يبكي عليه ويبوح له بأسراره.
الشيخ الحكيم الذي يرى أن الإنسان يجب أن يعامل الأرض والنخلة بنفس الطريقة التي يعامل بها أبناءه. يقول إنه عندما يريد ترك نخله والذهاب إلي المدينة يغادر تحت جنح الظلام خلسة من أجل أن يشعر النخيل بذلك فيغضب ويعطش ثم يموت...

غريبة هذه العلاقة التي كانت تربط الإنسان بالأرض ومثير للتساؤل كيف ضعفت هذه العلاقة عبر الأجيال وتزداد وهنا على وهن مع تشبث الإنسان بقشور ورفاهية المدينة المزيفة والشطب على مفهوم التضحية من القاموس المدينة المعاصر...

كيف يجب أن نتصور الوطن؟ هل يستحق الوطن الذي يخذل أبناءه أن يقدس؟ هل الأرض تملك من الرأفة والحنان و الدفئ لتحفظ الإنسان مرتبطا بها؟ أي علاقة تربطنا بالأرض والوطن والإنسان...؟