Saturday 22 May 2010

رسالة من صديق متقاعد في الحب...

أخي العزيز: هذه حكاية عاشق متقاعد هل سمعت بعاشق متقاعد؟!! ليس متقاعد بل أحيل إلى التقاعد.
( هو الإنسان عبر العبر و حيرة الحير)
أخي العزيز: يا من ستحملك صدفة الأقدار لتقرأ ما بين سطوري الناعسة الكئيبة و المثقلة بأعباء الزمن أقول لك و لنفسي ما قاله أبو ماضي:

أيها الشاكي و ما بك داء كيف تغدو اذا غدوت عليلا
هو عبئ على الحياة ثقيل من يظن الحياة عبئا ثقيلا
ربما لم يتداعى بعد إلى ذهنك الموضوع الذي انوي الكتابة عنه. آو ربما تسرعت أنا في إطلاق هذا الحكم المسبق فاعذرني. لكنني لن ادع الفضول يعبث بك. فأقول لك: إنني اكتب في هذه الأسطر عن قصة واقعية أملتها الظروف و الأيام وكتب لها إن تعيش لسنوات سبع إنها بكل بساطة " جريمة حب في قلب بريء" هكذا القصة جريمة حب و المجني عليه في حالة رضى. فهل قرأت عن رضى المجني عليه؟!!! و هل سمعت بجرائم الحب؟!!! و هل طالعت قلوب الأبرياء؟!!!
الحب في الأرض بعض من تخيلنا لو لم نجده عليها لاخترعناه

كان هذا لسان حالي قبل أن اعرف الحب و أتلمس تضاريسه, و مناخه الجاف... الرطب... الحار.... البارد... عن وعي.
كنت شابا يافعا و كما يقول الفقهاء بالغا عاقلا حرا...... كنت ككل الشباب مسكون بالسير في شوارع المدينة و أحيائها. ومسامرة الفتيات و التعرف عليهن عندي داء. و كسر دائرة الوقت أمر أجد فيه المتعة. و السهر حتى آخر ساعات الليل أمر يفتنني, و يروقني كثيرا, و أرى فيه جانبا مهما من عنفوان شبابي, وثراء شخصيتي. بالإضافة إلى أنني طالب في المرحلة الثانوية.......

المهم أنني كنت متخم بالادعاءات و لم يكن الحب عندي سوى حيلة عاطفية أتصنعها لأكسب بعض المواقف في عالم الفتيات. هكذا كان الحب بالنسبة لي لم يكن يرتبط بشخص معين.
و في شتاء 1998م اخذ مفهوم الحب يتغير و يأخذ منحى جديدا يختلف عن سابقه جذريا. حيث كان لقائي مع القدر في ذالك الشتاء. التقيت بفتاة وديعة جميلة لم تخطر ببالي و لم أكن ابحث عنها و لا هي أيضا, لكنها مشيئة الله. أن يجعل الصدفة خير من ألف ميعاد...

فبينما أنا مع زمرة من زملائي. إذا بفتاة تشير إلي و تناديني باسم ليس اسمي و عندما التفت إليه فاجئني إحساس غريب لم افهمه. فبدوت أمامها خجل مرتبك. كانت تبتسم ابتسامة رقيقة , و ترمقني بنظرات دافئة و تناديني بذالك الاسم.......... اذكر أنني ماطلتها بقدر من المشاكسة العاطفية. ليس لشيء إلا لأبقى معها و لو للحظات... ربما هو الحب من أول نظرة كما يقولون , أو ربما شيء أخر لم افهمه. المهم في الأمر أنني وقعت في شرك هذه الفتاة و انهزمت مشاعري أمام عينيها. رغم أنني لا اعرفها و لم أرها قط في حياتي. وهذه إحدى سيئات الحب فهو يأتي صدفة و يذهب خلسة, فالأولى رائعة و الثانية محطمة للفؤاد.
و بعد حين افترقنا. و انتهى ذالك الصراع الوجداني.. و توالت أيام و اشهر, و كانت الصدفة تنظم لنا لقاءات مختلسة.

و ذات مساء كنت آيب من الصف مررت بصديقي في حلاقته, وبينما أنا خارج من عنده, لمحتها أمام دكان عرفت في ما بعد انه دكان أهلها. فأقبلت عليها, فإذا بها تناديني باسمي الصحيح. فابتسمت متعجبا. فإذا بها تردف قائلة: أنا أعرفك أكثر , و اعرف الكثير عنك و عن أصدقائك في الوقت الذي لا تعرف حتى اسمي, أتعرف لماذا؟!!! لأنك لا تهتم.......... ثم أشارت بطرف العين خيفة أمها, و تراجعت.

و بعد أيام بدأت دائرة معرفتي لها تتسع, فكان مما حيرني صدفة غريبة طريفة في الآن نفسه. و هي أن هذه الفتاة تقربني, بل إن اسمها يشبه اسمي. من تلك اللحظات بدأت ببزوغ فجر جديد. و بدأت هذه الفتاة تأخذ حيزا كبيرا في تفكيري. و ارتسمت كمعالم جديدة في ذاكرتي. و اتسعت مسافة الذكريات بيني و بينها, مسافة لا اجتازها إلا بالحنين و الأشواق, و كأنني اعرفها منذ نعومة أظافري.

فجأة طرق الصيف الباب مؤذنا بفراق بيننا. فوجدت نفسي وجها لوجه مع مفردات و مفاهيم لم اعرها اهتماما من قبل: الوحدة..... الفراق....فبدأت أحس بالوحدة رغم كل المحيطين بي. انتقل من كآبة النهار و طوله إلى قسوة الليل و ظلمته و ضغطه.... انه الفراق شيء من العذاب. لكنه وطد دعائم العلاقة, و قوى روابط الحب بيننا , و زاد من قيمته.
و بعد انقضاء أيام الصيف عدن بقلوب مترعة بالحب لنلتقي على بساط من الأشواق. اثنين نرجوا اللقاء و ليس من حبيبين إلا و يرجوان التلاقيا. اثنين في هذه الدنيا و لا احد غيرنا كل منا الشغل الشاغل للأخر.

و أمضينا ثلاث سنين على هذه الحالة أنا و هي و هي و أنا. اثنين اجتمعنا على المودة و الحب أمام عدسات المجتمع. و الكل يستغرب منا و يتعجب. نتخاصم لأتفه الأسباب, و نتصالح و كأن شيئا لم يحدث. كل هذا لان كل منا يغار على الأخر, و يحاول أن يفهمه بمدى حبه. فتتخذ التعابير أشكالا أخرى كالأغاني, و الكلمات الرومانسية. اذكر أنني كتبت عدة محاولات شعرية هذه إحداها

تعودت من الحب ذكراك و تشوقت من الــشوق عيناك
ما طقت الفراق مرة و كان قلبي سجـــين يمناك
مني إلى عينيك رسالة حملت من الشوق عبير ذكراك
رسالة مبدأها الشوق و إشكاليتها كــيف ألقــاك

ربما هذا شعر أو كلام مقفى المهم أنني كتبته تحت تأثير فاليوم الحب.
بعد تلك السنين الثلاث بدأت مرحلة جديدة في هذه العلاقة. إذ بعد نجاحي في الثانوية العامة, تحتم علي مغادرة تلك المدينة الغالية . و هذا يعني فراق أهلي, و مدينتي, و حبيبتي. انه فراق ذا ثلاثة أوجه. فراق شكل منعطف تاريخي حاسم في حياتي. و إن كانت حياة الإنسان كلها تتشكل ضمن المنعطفات الحاسمة.

لقد بدأت علاقتنا تتسم بنوع من القطيعة مع ماضيها. ليس معنى هذا أنها انتهت, ا وان شيئا ما قد حدث بصفة جذرية . ليس هذا و إنما هي مرحلة الصراع بين الحب و الواقع, الصراع بين العقل و العاطفة. إنها مرحلة الإحساس بالظروف, و التفكير في المستقبل, و تبعات المجتمع.مرحلة حتمت علي مراجعة هذه العلاقة التي أصبحت تتطلب نتائج و هذه النتائج يصعب أو يستحيل علي تحمل مسؤوليتها في الوقت الراهن, أو حتى من الظلم أن أتحملها. لكن حبي و شغفي بحبيبتي كان يدفعني إلى المجازفة, و إلى مسرح اللاواقع . و كان نتيجة ذالك أنني خسرت سنة من الدراسة. فبدأت أفكر في المستقبل الدراسي, و الحب, و الزواج. فاستبعدت هذا الأخير تماما, لأنه كما قلت مسؤولية ليس لي القدرة على تحملها. إذن يبقي الحب يتطلب احد أمرين الفراق و طي صفحته وهذه مسألة لم أفكر فيها أو الزواج و هذا مفروغ منه سلفا. إنهما أمران أحلاهما مر و أيسرهما صعب. و بقيت في مفترق طرق لا أنا هنا و لا أنا هناك. و حبيبتي تسألني الزواج بحكم الحال و المقال, و تلح علي,و تعاتبني: هل سنمضي العمر كله على هذه الحالة؟!!! لا بل أكثر من ذالك تتهمني بأنني لا أحبها........ كنت دائما أعلل بالظروف, و عسر الحال, و ضعف الحال. مع أنني كنت كما كانت هي أيضا أنها ستتزوج إن لم تكن معي فمع غيري. و هذه فكرة بديهية اعذر على سردها. مع إن زواجها من غيري مسألة أخشاها و تقض مضجعي, و في نفس الوقت أتقبلها خصوصا أن حبيبتي أصبحت في مرحلة تتطلب الزواج. إضافة إلى أنها في مجتمع يطارد نساءه هاجس العنوسة و سوء الطالع. و يتخذ النساء فيه أتفه الأسباب لتأكيد سوء الحظ و النحس. فمثلا: يقال هذه الفتاة ستظل عانس لأنها تحب ذالك المفلس, الذي يتبعها ليل نهار. فلا هو يتركها فتتزوج, و لا يتزوجها فتستريح!! و يبقى الحب مشكلة!! و الظروف مشكلة!! و الزواج مشكلة!! و المجتمع مشكلة!! لكن المشكلة الوحيدة هي أنني و حبيبتي التقينا في الوقت الخطأ!! في المكان الخطأ!! في الظروف الغير مناسبة!! و رغم كل هذا ظلت علاقتنا كما هي. و ظلت حبيبتي تسألني عن ما إذا تزوجت من غيري أو زوجت فماذا سيحدث لي؟!! و ماذا سأفعل؟!!

سؤال بدافع العطف والحنان و الخوف علي مما تخبئه الأقدار. لكنني كنت أتضايق, و ابدي الاستياء عندما تحدثني على هذا النحو. ففطنت لي فما عادت تسألني تلك الأسئلة.
لكن الحذر لا يرد القدر. ففي الأيام الأخيرة من السنة السابعة من عمر هذه العلاقة و في الوقت الذي لا أتوقع فيه حدوث أية مشاكل. و على حين غفلة مني..!! وصلني خبر مفاجئ مثل انقطاع الكهرباء. خبر واريته بدموع صامتة في مكمن الذاكرة البارد. خبر غير تضاريس العلاقة. خبر هزني في الصميم. جديد على نشرة الأخبار. انه خبر الانقلاب الذي أطاح بنظام جمهورية الحب. خبر اخذ سبع سنوات من الحب و ضرب بها عرض الجدار فسقط الجدار و سقط الحب و تبدد الحلم, و انقشع مثل سحابة صيف, مثل خيط دخان!!

يقول الخبر: حبيبتي تزوجت حبيبتي لم تعد حبيبتي!! حبيبتي رحلت بدون وداع, رحلت تاركة خلفها سبع سنوات من الذكريات. و جريمة حب في قلب بريء. رحلت و تركت خلفها قتيل على قيد الحياة, يتذكر الماضي كل ما نادى مناد باسمه.

No comments:

Post a Comment