Wednesday 30 June 2010

موريتل.. ماتل... شنقيتل: ثقافة الاستهلاك و خطاب الإشهار

منذ عقود دخل العالم عصر الصورة والمعلومة وأصبح الاستهلاك وعلاقته بخطاب الإشهار وتقنيات الإعلان ثقافة تفرض نفسها وتدخل كل بيت دون إذن مسبق. لكن في موريتانيا تنقلب كل القواعد حيث خطاب الإشهار لا يحتاج إلي أي تقنية إعلان ولا إلي خطاب يسعى المنتج إلي ترويجه بل أضحت العقلية استهلاكية لدرجة سلبية جعلت من مجتمعنا سوقا مربحا لكل الشركات الرابحة والتي بفضل عقلياتنا المتأخرة والمحنطة تتحول إلي إمبراطورية اتصالات في ظرف وجيز....

وأنا أقوم بالنبش في الأرشيف المتعلق بأرقام الأرباح و التخمينات والتوقعات لشركات الاتصال في موريتانيا، صدمت عندما قرأت أن صافي أرباح شركة واحدة من شركات الاتصال الثلاث: موريتل أو ماتل أو شنقيتل يزيد على 75 مليار أوقية سنويا أي ما يضاعف ميزانية موريتانيا تقريبا في سنوات إزدهارها القليلة....

بل إن العجيب في الأمر هو أن عدد المنتسبين أو المستخدمين لجميع الشركات أو الإمبراطوريات الثلاث¬- إن جاز التعبير- يكاد يكون متساويا لسبب بسيط يعود في جوهره إلي ثقافة الاستهلاك السائدة عند الموريتانيين و ابتلاعهم للطعم الذي في كل مرة تغلفه إحدى هذه الشركات في شكل خدمة مثل فوني أو الخيمة أو حتى في شريحة جديدة مثل أشبه و ون أو حتى أحيانا في احتكار الشريحة والهاتف معا لضمان الربح المضاعف والترويج للماركة التجارية. بل إننا تجاوزنا المعتاد إلي حد الفوضوية في استهلاك الرصيد و الهواتف ونحن نكاد بشق الأنفس نوفر الضروريات....

فمثلا تجد أسرة بسيطة تتكون من 8 أفراد يعيلها رجل واحد يعمل في مؤسسة للبطالة المقنعة وكل فرد من هذه العائلة يملك هاتفا محمولا أو اثنين وقد يصل العدد إلى ثلاثة بعدد الشركات التي تحتل عقول الناس. كما قال الشيخ الفقير اليوم في ساحة السوق عندما رنت هواتفه الثلاث في ظرف زمني وجيز ورد على كل واحدة بأسلوب يليق بالمتصل وبشخصية تختل، تساءلت هل لتعدد الهواتف علاقة بتعدد الشخصيات؟ هل صارت الهواتف المحمولة أيضا وسيلة للنفاق والتملق....

قررت أن أسأل الرجل عن قصة الهواتف الثلاثة فجاء السؤال كالتالي: ترى لما يحمل أغلب الناس ثلاثة هواتف وثلاثة أرقام أي ثلاث شرائح للاتصالات في آن واحد بينما من الصعب حتى السيطرة على رصيد واحدة؟ كان جواب الرجل عاميا وقال بحنقه لا تخلوا من التعجب: هذه شنقيتل ورصيدها لا ينتهي بسرعة. وهذه موريتل للعامية والبسطاء وأحول منها أكردي للعائلة والأسرة وأتواصل بها مع أغلبية الناس ودائما فيها الزيادة على العكس من شنقيتل. أما ماتل فهي للأغنياء و الزبناء الكبار و أعطيها فقط لزبنائي الكبار. بعد ذلك علمت أن الرجل سمسار في ما يطلق عليه محليا "بورصة الشمس"....

ليس فقط ذلك الرجل الذي يحمل ثلاثة هواتف أو اثنتين على الأقل، بل إنها أصبحت موضة وغير العاملين بها يعتبرهم المجتمع خارج دائرة الزمن. نحن شعب غريب الأطوار نستهلك كل غريب ثم نحوله إلي عادات وتقاليد لنفرضه على الآخرين...

أيضا إن طريقة تحويل الرصيد وثقافة بيعه في الطرقات أضحت ثقافة بل ووظيفة توظف فرص شغل للكثير من الشباب والشيوخ على حد سوى. لكن العيب في طريقة تحويل الرصيد نفسها التي تتميز بها موريتانيا وحدها حسب علمي من بين جميع دول المنطقة. هذه الطريقة تكرس ثقافة التسول و مفهوم "العار"، أحد المصطلحات السخيفة التي يتعامل بها المجتمع دون تحديد السياق الاجتماعي أو الاقتصادي لها....

فمثلا لكل شابة الحق أن تتصل بحبيبها وتوجه له الأوامر الصارمة بأنها تنتظر إرسال رصيد لها وسواء اشترى البطاقة وأرسل لها الرقم أو أرسلها من رصيده، بل المهم أن جميع شركات الاتصال توفر هذه الخدمة التي تتناغم مع سيكولوجية الاستهلاك و الإتكالية للموريتانيين فالمهم هم الربح وليس المستهلك....

طبعا إذا دخلنا في قراءة لألوان و عبارات الإعلانات المنتشرة في شوارعنا المغبرة والتي أصبحت في الآونة الأخير تتكاثر باضطرار وعبثية حتى لجأت إلى نصب الخيام على قارعة الطريق وسط العاصمة و نصب يافطة تخلو من أي لغة غير اللغة الاستهلاك و النصب والاحتيال...

هن بين التساؤلات التي تطرح نفسها في هذا السياق: هل نفهم أصل أن الاستهلاك ثقافة و تقنية تؤثر مباشرة على الثقافة الشعبية؟ لماذا نحمل هواتف جميع الشركات في جيب واحد؟ أم أن عقلية الدراعة تتسع لكل ذلك كلما هبت الريح لتصبح خيمة تنتصب على عود؟ هل إن الإنسان الموريتاني الجاهل والأمي يستحق أن يستهلك ما لا ينتج؟ لماذا لم نحاول أن نفتح شركة وطنية للاتصالات ترحمنا أو على الأقل تأكلنا من أجلنا؟ أم أنه لازال بإمكان مجتمعنا الفقير أن يساهم في أرباح شركة رابعة؟
متى سنتعلم أن الاتصال وسيلة وليس غاية؟ أليس أي رقم في أي هاتف لأي شركة يفي بالغرض؟ أم أن الغرض حمال أوجه أخرى تتعلق بالمظاهر الاجتماعية والتنميط؟؟؟

No comments:

Post a Comment