Tuesday, 8 June 2010

غزة: جدلية الداخل والخارج

هب الشارع الموريتاني كعادته بكل عفوية وسذاجة لنصرة غزة ورفع حزب تواصل صور البطل الهمام والحارس السابق للسفارة الأمريكية في أبوظبي ونسي الشارع الموريتاني أن هناك بطل آخر يستحق الذكر ولو لم يشفع له التملق السياسي في بلاد المليون سياسي....

كان ولد الغلام ومحمد فال ولد بوخوص على متن قافلة الحرية التي كان من الأجدر بها أن تبحر إلي شواطئ الصومال أو حتى أن تأتي إلي موريتانيا لكسر حصار ضرب على آلاف الجياع والمحرومين في بلاد تعود أهلها على القناعة حتى أصبحت قناعا وتملقا وتطاولا على الواقع لتجاوز خارجة الداخل وداخلية الخارج....
في البدء كانت قضية غزة قبل أن تولد والدتي، وولدت أنا وكبرت وترعرعت على وقع لغو كلام عربي و تنديدات من جامعة غربية رأس مالها الإفلاس السياسي و التقهقر الإقليمي مع بعض من مؤشرات التملق والخيانة، ظل حلم تحرير غزة بأيد عربية حبيس مظاهرات في شوارع مغبرة تفتقد في أغلب الأحيان إلي بنية تحتية تليق ببعض الناس المأدلجين و المتظاهرين المدجنين بحقنة من أمل مفقود في دولة لا توفر لمواطنيها الأمل في الحياة....

فكيف نعطي ما لا نملك؟ ولماذا نعتقد أن الكلام والمظاهرات والتنديد والشجب والخطابة الجوفاء يمكن أن ترجع الحق المسلوب؟ ألم نتخلى عن كرامتنا منذ أزيد من 60 سنة ؟ أم أننا شعب أصبح يقتات على وجبات سريعة متعفنة وخطاب إعلامي طبخ بأدنى معايير الجودة في مطاحن صدئة في قناة الجزيرة، الماركة الأولى في إعلام من لا يعرف الإعلام و كل من يطرب لسماع الخطابات القومية والعربية....؟

إن جدلية الداخل والخارج لقضية فلسطين بدأت تختزل في غزة التي لا تتجاوز مساحتها 150 كلم مربع، أزمة الشعب الفلسطيني لم تعد تذكر بل غزة أصبحت فلسطين و أهمل البعد الداخلي لحساب خارجية الداخل...
ظلت الشعارات والخطابات التي تتحدث اليوم عن فلسطين لا تذكر إلا غزة بما في ذلك التقارير العربية و الدولية، لأن حماس قامت بانقلاب على الوحدة والشرعية الفلسطينية عندما وصلت إلي صناديق الاقتراع عن طريق توظيف الخطاب الديني شأنها في ذلك شأن كل الحركات الإسلامية في أغلب دول العالم، الذين يؤمنون بالديمقراطية فقط مرة واحدة عندما يصلون إلي الحكم ثم يعلنون الخلافة إلي الأبد....

قد يسيء البعض فهمي كعادتهم، لكني أخاطب الذين تعلموا أن يتعجبوا ويفكروا ويثيروا التساؤل حول الأشياء الدقيقة التي تساهم في بناء الخطابات الإيديولوجية والعربية، التي أضحت عملة رائجة في المجتمعات العربية عندما قلت ابن عربي والحلاج وتخلت عن المنطق والعقل والرزانة لتغرق في بحر العاطفة و التملق وتقبل الإهانة في عهد الميغا امبريالية و "الذلقراطية" باسم التظاهر بالتضامن مع شعب و إضمار الحقد والشرذمة لآخرين....

أنا طبعا لست ضد الدفاع عن غزة، بل أؤمن بحل عادل يكفل للفلسطينيين المصالحة مع الذات وقبول حقيقة الآخر، أما نحن في موريتانيا فكفاها تملقا و تفرقة وتظاهرا وكلاما لأن جميع العالم لا ينظر إلي الشعوب العربية بصفتها طرفا في المعادلة بل كظواهر لغوية وحسب، وقد بدا هذا واضحا مع دخول تركيا على الخط و سحب البساط من تحت أمراء النفط ورؤساء البؤساء و أئمة المصالح المرسلة و التملق المتواصل....
أعتقد أنه من الأنسب والأجدر بنا العمل على بناء الذات وحجز مكان على متن قافلة الحرية الحقيقية التي ليست فقط مجرد قوافل للشحن يعتليها البعض ليعود بخفي حنين ويمنح لقب بطل الحرية وهو لم يعرف الحرية أبدا في وطنه لكنه يكذب على الآخرين ليصدق كذبته...

إن ما أطالب به هو العودة إلي الداخل و رأب الصدع وحل المشاكل وزرع بذور التنمية وسقيها بماء الاستقرار السياسي و تعليم الأجيال كيف تفخر بالوطن وتربيتها على حب و احترام الذات ليحترمنا الآخر و يحسب لنا ألف حساب بدل العزف على وتر التفرقة وتجرع رحيق الهزيمة والانهزامية في عقر الدار دون الوصول حتى إلي عزة التي نرى في قناة الحريرة. حتى غزة تلك على شاشة الحريرة أجمل ألف مرة من نواكشوط و أكثر جامعات من الجمهورية الإسلامية الموريتانية على الرغم أنهم يعيشون منذ 60 سنة في حرب استطاعوا خلالها القضاء على الأمية والجوع، أما نحن فأصبح الجوع خبزنا والأمية طموحنا و الجهل طريقتنا في تبني الشعارات والتصفيق للسراب وانتظار الطوفان...

No comments:

Post a Comment