Monday 14 June 2010

في ذكرى اليوم العالمي للتبرع بالدم... قصة حياة امرأة موريتانية

يوم 14-06 هو اليوم العالمي للتبرع بالدم من أجل إنقاذ حياة و مساعدة ضحايا الحوادث والذين يحتاجون لأن يعيشوا لحظات في حياة قد لا تستحق أن يعيش فيها الإنسان أكثر مما يريد.....

طبعا بهذه المناسبة يتبادر إلي الذهن الحديث عن كل الخروقات والاستغلال الذي يقوم به بعض الخفافيش ممن يطلقون على أنفسهم ممرضين وأحيانا بعض من أشباه الدكاترة الذين وصلت بهم الوقاحة و واللامسؤولية المتاجرة بحياة البشر و الترويج لحوانيتهم الشخصية التي يسمونها بعيادات يكتسبوا بها شهرة في القبيلة أو أكل أموال المساكين أو مماطلة الأغنياء....
إن الحديث عن التبرع بالدم في موريتانيا أشبه ما يكون بالعزف على وتر ممزق في عود تحطم بعد أن ضربه صاحبه بعرض الحائط كما تضرب حياة المساكين الذين يلجئون بسبب الحاجة إلي مركز الإستقطاط الوطني.....

هناك الكثير من القصص الواقعية التي حدثت لمواطنين كانت حياتهم تعتمد على قطرة دم يبيعها جشع و يحقنها مصاص دماء في ظروف أشبه بمزبلة على قارعة الطريق تفوح منها رائحة الموت حتى وإن كنت مجرد زائر لبضع دقائق لأحد المحكوم عليه بالمرض إن كانوا بحالة سلامة أو بالموت إن كان فيهم ما يستدعي التداوي....

هذه القصة التي أكتبها الآن حقيقة وقعت منذ أسابيع في قسم الحالات المستعجلة في المستشفى الوطني الوحيد في نواكشوط....

بدأت بمرض مريم في مدينة الطيطان، المدينة المريضة والمنكوبة هي الأخرى ، لم تجد المرأة هناك من يشخص لها المرض وبقيت تصارع الموت في صمت وتوكل على الله- ونعم بالله- في حين بدأ زوجها رحلة من العناء و التسول عند المحسنين ورجال القبيلة ليحصل بعد كل السخاء على مبلغ 100 ألف أوقية ليحمل زوجته المسكينة إلي مدينة نواكشوط التي يتمركز فيها كل شيء حتى الهواء والنسيم و الحياة تتمركز في مباني الحكومة و تحت رحمة شرذمة من الناس الذين لا ينتمون إلي وطن ويعبدون المصالح الخاصة فقط...

بعد 7 ساعات من السفر وصل إلي بوابة المستشفى الوطني واتصل بأخيه الذي يسكن في "كزرة" عرفات في غرفة واحدة و أمبار و بنطرة مع 8 أولاد. كان على الرجل أن يدفع المبلغ المطلوب عند الباب قبل أن يسمح لمريضه بالدخول إلي مبنى المستشفى حيث عليه الانتظار لساعة ونصف قبل أن يخرج الطبيب من غرفته التي كان يشرب فيها الشاي ويداعب ممرضة دخلت إلي المستشفى أصلا لتنظف الدهاليز لتصبح بعلاقاتها الحميمة الخاصة تسهر في العمل لتخفف من آلام الأطباء قبل المرضى.....

جاء الطبيب وبعد نظرة خاطفة أمر الرجل أن يحضر الدم اللازم لأن المرأة نزفت الكثير من الدم بعد سقوط جنينها بسبب الجهل و صعوبة ظروف الحياة في البادية و طبيعة العمل الذي تقوم به النساء في قلب الصحراء دون وجود حتى للحمير لمساعدة الناس لأن الحيوانات نفقت أو هاجرت لصعوبة ظروف العيش....

خرج الرجل المسكين يسأل عن محل بيع الدم فدله أحدهم على متقاعد مشهور يبيع الدم أمام باب المستشفي ودائما يجلس مع الحرس عند الباب الخارجي....

سقط الرجل بإرادته في شرك المحتال ومصاص الدم و باع له أكياسا من الدم وحملها الرجل على جناح السرعة إلي الطبيب الذي لابد من انتظاره أو البحث عنه في دهاليز تفوح فيها رائحة الشماتة و اللاإنسانية. لكن هذه المرة بقدرة قادر كان الطبيب لازال في الغرفة المجاورة يغازل فتاة تجلس على بلاط الغرفة قرب امرأة يبدوا أن الأقدار حملتها إلي هناك على جناح المأساة و الضياع....

أخذ الطبيب الدم ودون فحصه حقن به المرأة التي حاولت أن تبتسم لزوجها الذي كانت تبحث عنه في الغرفة الجديدة عليها، هذه الابتسامة التي سرعان ما غابت إلي الأبد بمجرد أن أختلط الدم الذي أحضره الرجل بدمها الطاهر البشري مما حدا بالطبيب إلي التعجب وأخذ عينة من الدم ودلكها بين أصابعه ليؤكد للرجل المسكين الذي يقف بجانبه يتفرج على المسرحية الهزلية التي تودي بحياة زوجته وأم أبنائه بدم بارد.... لم يتردد الطبيب في أن يجزم للرجل أن الدم الذي أحضره ليس دم بشر وإنما دم "نعجة" من الضأن وأنه لهذا السبب ماتت زوجته وعليه أن يبحث عن الذي باعه هذا الدم لعله يرجع له على الأقل المبلغ الذي صرفه.....

هل يجهز الرجل جنازة زوجته؟ أم يترك جثتها ليبحث عن خفاش ومصاص دم من بين آلاف مثله في مجمع للمتاجرة بأرواح البشر؟ أم أنه يقول: هذا القدر و مكتوب عليها أن تموت هنا وبهذا السبب التافه وإنا لله وإليه راجعون....؟

أليس من العبث أن يرفع الرجل المسكين قضية ضد بائع الدم والطبيب والمستشفى؟ لكن أين هي المحكمة؟ بل كيف لرجل من العامية أن يرفع قضية ضد طبيب وأين سيجد المال ليدفع مستحقات محام يشرب من الدم أكثر من بائع الدم في المستشفى الوطني، آخر محطة في الحياة....

No comments:

Post a Comment