Thursday 17 June 2010

مدينة نواكشوط... تعايش الأزمنة ؟

من النادر هذه الأيام أن يجد المرء نفسه يسير على قدميك ليلا في كزرة عرفان ( أحياء الصفيح) أو في كبة المربط حيث تتراءى له مدينة نواكشوط الحقيقية بأضوائها تنير الأفق من بعيد في جهة الغروب....

في تلك الكزرة وأنا يلفني الظلام الكئيب تجلى لي أنه في مدينة نواكشوط تتعايش الأزمنة حيث يعيش بعض الفقراء في خيمة أو كوخ وتلفاز باللون الأبيض والأسود وظروف حياة أشبه بموضة الثمانينات من القرن الماضي، بل إن الأغلبية لا تملك حتى ثمن خيط كهرباء مسروق تحت جناح الظلام لعلها فقط تضيء المطبخ لتثبت وجودها في قلب ظلام عاصمة الثقافة الإسلامية ل 2011 ، نواكشوط.....

هناك أيضا آلاف الأسر تعيش في ظروف أشبه بالقرون الوسطى و كأنهم مطرودون خارج سور من قلعة أحد الإقطاعيين الإرلنديين في الريف الإنجليزي، لكن الفرق أنه في الريف الإنجليزي هناك الخضرة و المناخ اللطيف أما عندنا في نواكشوط فلا يوجد سوى الشمس الحارقة والغبار الغاضب و الفقر المدقع الذي يدفع الأسر التي تحتضر في المناطق الداخلية للهجرة إلي نواكشوط لتعيش على شاطئ بحر من السراب يحلمون فيه برفاهية لن تتحقق....

كأنه في نواكشوط كتب على هؤلاء المواطنين أن ينتظروا الموت والاندثار في الصمت والظلام على حافة مدينة تتعايش فيها الأزمنة و تمتص فيها أقلية دماء الأغلبية....

تلك الليلة شعرت بمغص في قلبي وألتفت إلي صديقي الذي تذكرت فجأة أنه كان معي متسائلا: هل نحن حقا في عاصمة الجمهورية الإسلامية الموريتانية؟ أين الإسلام؟ أين مظاهرات وتضامن الشعب الموريتاني؟ أين الساسة الذين يهرعون إلي هذه المناطق في مواسم الانتخابات؟ لماذا لا يثور الشعب من أجل حياته و إنعتاقه من الذل والحرمان؟ ألا يستحق هؤلاء أللآلاف من الموريتانيين العيش الكريم؟ هل هذه عاصمة حقا؟ أم أن شبه العاصمة هناك بعيدا حيث الأضواء تشع عبر المدى في جهة القصر الرمادي اليتيم الذي قدمته لنا جمهورية الصين منذ سنوات كهدية لزعيم ظن أنه سيعيش فيه إلي الأبد؟

قد يكون السبب وراء هذه الحالة المزرية لمعظم المهمشين والمحرومين نابع من الجهل و الإتكالية والانهزامية التي يرفلون فيه باستسلامية عجيبة ولا مبرر لها، فعندما تسأل بعضهم لماذا تعيشون في ظروف كهذه لا تليق بالكلاب سيقولون: هي الحياة والله تبارك وتعالى أعطانا هذا ونحن ننتظر حتى يعطينا ما نريد يوما ما. والحمد لله. نحن لا يمكن أن نصارع القدر. سيفتح الله....

طبعا الطموح و التغيير في عقلية هؤلاء الضعفاء المستضعفين هو صراع ضد القدر وكفر بواح، فالإنسان بالنسبة لهم يولد فقيرا ليعيش ويموت كذلك.... لا وجود مطلقا للتضحية والتخطيط والتحول في حياة هؤلاء الناس.....

هل حقا أن القدر ظلمهم أم أنهم ظلموا أنفسهم ليستحقوا ما يعيشوا فيه من نذالة و استسلامية؟ هل نواكشوط الأضواء و الرفاه لا تليق إلا بالذين يضحون بالعرق و الدم و أحيانا بالكرامة والإنسانية؟ هل كل من يعيش في مدينة نواكشوط الحضارة والأضواء سفاح ومرتش و مرتش؟ بينما كل من يعيش في مدينة نواكشوط الظلام والفقر والجهل والمرض مظلوم وضحية ؟ أم أن نواكشوط كأي عاصمة في العالم تتعايش فيها الأزمنة؟ أم أن الزمن الذي نعيشه جميعا يختلف عن الزمن الطبيعي الذي يعيشه العالم من حولنا؟؟؟؟

No comments:

Post a Comment