Tuesday 1 June 2010

"أحزان فلسطين في ارض سنقيط .... ؟!!"

لم أكن قد عرفت مقر السفارة الفلسطينية في نواكشوط قبل يوم أمس حين لفت انتباهي وأنا أزور محلا لبيع الخزف الإفريقي لشراء هدية لصديق أجنبي، حين وقعت عيني على يافطة كتبت بخط رديء تشير إلا أن الدار القصيرة المتهالكة في قلب العاصمة هي سفارة فلسطين في الجمهورية الإسلامية الموريتانية. كتب على تلك اليافطة وتحت شعار السفارة جملة يبدوا أن كاتبها لم يدخل النظام التعليمي الرسمي أبدا، كانت الجملة كالتالي: "أحزان فلسطين في أرض سنقيط".....

هذه الجملة حملتني معها في خضم كثير من التناقضات والنفاق السياسي و التحولات التي يشهدها العالم الإسلامي والعربي اتجاه قضية فلسطين، حيث لا يخفي أن القضية الفلسطينية كانت ورقة تربح أحيانا وتخسر أحايين أخرى عند الكثير من الدول العربية و تستخدم كتبرير لكثير من تجاهل المشاكل الداخلية التي هي أكثر إلحاحا في نظري من أي قضية إقليمية أو دولية ولو كانت فلسطين، لكن هذه الورقة تم انتزاعها من اللاعبين العرب و بدأ استغلالها من طرف بعض الدول الإسلامية و الأوروبية الأخرى مثل تركيا و اليونان. غير أن تركيا تعتبر الأكثر تحمسا لاستغلال الموقف و الدفاع عنه ولو كان ذلك على حساب الدول العربية التي أثبتت تخلفها ورجعيتها وتدهورها على جميع المستويات الاجتماعية و السياسية والاقتصادية.....

لن أحاول تخصص هذا المقال لتحليل الخطط الإستراتيجية لتركيا من خلال تبني القضية الفلسطينية ا وإن كانت تلك الطموحات تستحق التساؤل والتمحيص، بل سأكتفي فقط في هذه الأسطر بالتلميح إلى التناقض السياسي والشعبي الذي تعيشه القضية الفلسطينية في موريتانيا. وكيف يحاول الإعلام العربي مجسدا في أسوء قناة قومية عرفها التاريخ العربي الحديث وهي قناة الجزيرة الفلسطينية والإخونجية ودورها في سلب وتهميش المواطن العربي من سياقه المحلي لتزرعه بوعي مزيف في كونية مزورة وملفقة يطلق عليها "القضية الفلسطينية"....

أنا أجزم بأن العالم يجب أن يقف مع المظلومين والمهمشين والمحرومين و المحتلين في كل مكان من إقليم التبت و تركمستان وأوزبكستان وسيربيا والفلبين و بيرما إلي الصومال والسودان و اليمن وموريتانيا وفلسطين، بل أنا مع أي قضية عادلة من أجل حقوق جميع الناس الذين يحلمون بالعدالة والحرية والديمقراطية و المساوات، لكن مالا يمكن قبوله هو أن يراد للمواطن العربي أن يؤمن بقضية واحدة ويختزل فيها أبشع صور الحرمان و الضياع و الإحباط التي تلف العالم اليوم من شماله الي جنوبه.....

إن الجملة التي كتبت هناك تعكس مدى الإحباط واليأس والتفنن في تصدير الأحزان والحرمان عبر الحدود، فمن ينظر إلي موريتانيا يجدها أكثر حزن ويأس من فلسطين على الرغم من الهدوء السياسي النسبي و البراكين الاجتماعية الخامدة، فموريتانيا كغيرها من الدول العربية تصطلي على نار هادئة من الفساد السياسي والتخلف الاقتصادي، بينما يراد لجميع الشعوب العربية التخلي عن هذه المسؤوليات الداخلية والوطنية والدفاع عن قضية تجاوزت المشاعر والدين والتعاطف الأعمى لتصبح أيديولوجية يجترها بعض الناس السذج والبسطاء والذين لا يؤمنون بأوطانهم...

فقافلة شريان الحياة أو الحرية التي تحدث اﻵن زوبعة إعلامية لا تستحقها، هي دليل على الإحباط والتشبث بآخر قشة، فالتسمية في حد ذاتها تعكس الاحتضار و الضياع والبحث عن أمل للحياة في قضية أصبحت من البلاغة و اللغة والحديث عنها لا يتجاوز الحنجرة بينما الشعوب الأخرى تتكلم لغة الأفعال. فلماذا نطالب أي دولة أن تسمح لقافلة تحمل معها شتات من الناس أن تدخل أرضها أو تهدد أمنها بأي حجة أو ذريعة، في الوقت الذي إذا حاول شاب عربي أو مسلم من موريتانيا أو الصومال السفر إلي تركيا أو اليونان يرفض ويمنع من التأشيرة.....

من الملاحظ أيضا أن الخطاب الديني دخل على الخط مع الجانب الإعلامي للترويج لقضية فلسطين في سابقة من نوعها، فمثلا شهدنا في موريتانيا الأسبوع الماضي زيارة للعلامة والعالم الجليل يوسف القرضاوي، دعى خلالها إلي الجهاد و توسل فيها بالدعاء لحاكم لا يعرف عنه ما يخول له من الكلام ما قال. أما على المستوى الشعبي، فقد تجلى أن الهدف من وراء الزيارة هو التسول وجمع التبرعات من شعب يحتاج إلي من يتبرع عليه و يساعده.....

ولكن على الرغم من الفقر المدقع و الجفاف والقحط المعرفي والسياسي و الاقتصادي الذي تعاني منه موريتانيا، تبر ع بعض التجار بما يزيد عن مليار من الأوقية، فهذا أحد التجار أعرفه و أعرف خالته التي تسكن في أحياء الصفيح في عرفات تبرع ب 10 ملايين أوقية لأطفال فلسطين وتناسى ألأقرب ثم الأقرب، هناك واحد آخر تبرع ب 5 ملايين وأعلن على الملإ أنه لو كان يملك أكثر لتبرع به....

يبدوا أن الخطاب الديني في موريتانيا بدأ يغازل السياسة وهو الشيء الذي ينذر بكارثة حقيقة تضاف على الحيف والعجز السياسي الذي تتخبط فيه الدولة منذ عقود. فعلى الرغم من التقليدية المفرطة و التعصب الديني وضيق الفكر و التشبث الأعمى ببعض النصوص الدينية دون غيرها، ظلت السياسة والدين متوازيان في الدولة الموريتانية قبل ظهور بعض الذين يسمون تارة بإصلاحيين و أحيانا بأصحاب الصواب ويطلق عليهم البعض الآخر من البعثيين والقوميين "الطراطير".....

هذا النوع من التظاهر بالتدين على حساب الوطنية هو ما يأشر على تحولات سياسية خطيرة في موريتانيا وقوة سياسية موازية تتخذ من قضية فلسطين عاملا و طعما تصطاد به الأغبياء والمعتوهين فكريا والذين ينظرون إلي العالم من زاوية واحدة...

نعم نحن في موريتانيا نرحب بأحزان فلسطين و بمعاناة الصومال وألم العراق و بؤس السودانيين، لكن دون تقديس للقضية الفلسطينية والتلاعب بها كما يسعى لذلك بعض المرتزقة وضحايا قناة الجزيرة التي بدأت في الآونة الأخيرة تتخبط في حبال مصيدة كانت قد نصبتها يوما لنخبة من الصحافة العربية وغلفتها بغطاء قومي و ضمنتها خطابا كريها تعفن و بدأت رائحته تزكم الأنوف......

فلسطين في قلوبنا و مشاعرنا، لكن الوطن يجب أن يسكن عقولنا....

No comments:

Post a Comment