Saturday 10 July 2010

محمد ولد سيدي يحيى و محمد الحسن ولد الددو... إشكالية اللغة ؟؟؟

يعتبر مجتمعنا الموريتاني متدينا بطبعه وسجينه وظل يعتمد على الحفظ بدل الكتابة والتدوين. كانت الخيام المضروبة في كبد الصحراء و ظروف العيش الصعبة تملي على الإنسان الموريتاني أن يأخذ من الدين ما تيسر بالحفظ لأنه لا وجود لكتاتيب ولا التحضر الذي يرتبط بالاستقرار....

يعتبر البعض أن هذه الملكة الخارقة للحفظ نعمة يتميز بها الموريتانيون دون غيرهم، لكنها نعمة تحمل في طياتها نغمة تتمثل في الاعتماد على التذكر والسرد وإهمال التدبر والتفكير. لذلك ظلت الثقافة الدينية عندنا في المحاظر –ولازالت- تعتمد على الحفظ وليس على المنطق والجدل، فالطلبة هناك يحفظون أخليل والموطأ والرسالة والطرة على أنها كتب منزلة ومقدسة تقديس الكتاب والسنة...

يكفي الواحد منهم فخرا وتبجحا أن يحيلك إلي أبيات تشبه الطلاسم في البناء وتتنافر في الموسيقي ثم يردف قائلا هذا شاهد من أخليل. لا يعرف الكثير أن أخليل كان عسكريا في جيش العثمانيين لكنه أصبح ملك الدين والتدين في المنكب البرزخي....

بدأ هذا الفهم التقليدي للدين في الانحسار أمام خطاب ديني جديد يعتمد على لغة جديدة في الدعوة وترسيخ مفهوم الخطاب في الدين مع ظهور السيد الداعية والعلامة محمد ولد سيدي يحيى في تسعينيات القرن الماضي ( مع العلم أنه بدأ الدعوة في الثمانينات) الذي أستطاع بكل عزيمة وإصرار أن يساهم في نقل الدين من نظم ومنمنمات على هوامش الطرر إلي المساجد والبيوت والشوارع والتاكسيات و الباصات....

إن الملفت للانتباه في خطاب العلامة محمد ولد سيدي يحيى هو الفهم العميق للواقع وملكته العجيبة على استنباط الأحكام الشرعية من مداركها الواقعية. أصبح الدين مع ثورة العلامة محمد ولد سيدي يحي علم اجتماع يتناول الأسرة والرجل والمرأة والفهم والسياسة والدين والعبادة والعقيدة والتأويل بأسلوب لا يخلوا من الصراحة والنكتة المؤلمة أحيانا...

المنعرج الثاني في الخطاب الديني وعلاقته باللغة بدأ مع العشرية الأخيرة من القرن الماضي وبالتحديد مع عودة الداعية الشاب العلامة محمد الحسن ولد الددو الذي بدأ بتأصيل ثقافة المنابر و جعل من جامعة نواكشوط لأول مرة منبرا دينيا يستهدف الشباب وركيزة المستقبل. وفي ظرف زمني وجيز انتشرت هذه الصحوة في أوساط الموريتانيين، المجتمع البدوي الذي يحب الجديد ويكره التجديد....

تجدر الإشارة إلي أن الخطاب الديني للعلامة محمد الحسن ولد الددو ظل نخبويا في طرحه واللغة التي يستخدمها. فمثلا اللغة العربية الفصحى التي يخطب بها العلامة الشاب لا يفهمها أغلب الناس البسطاء من الذين لم يدرسوا في الأكاديميات. لذلك ظل الخطاب الديني السلفي مع العلامة الشاب موجها، عن قصد أو غير قصد، إلي فئة معينة من الشباب، وهو خطاب لا يخلوا في مجمله من التأثر بطرح غريب على هذه الأرض البدوية....

هذه النخبوية في الخطاب الديني للصحوة الشبابية بالتقابل مع البساطة التي يتميز بها الخطاب الأول هي ما جعلني أكتب هذه الأسطر بحثا عن نقاش وإثراء للموضوع بعيدا عن التعصب وضيق الفكر. فالعلماء علماؤنا جميعا والخطاب موجه إلينا جميعا بالدرجة الأولى والوطن يتسع لنا جميعا...

طبعا لا يوجد أي تعارض بين الأهداف والغايات التي يسعى إليها كل من الخطابين. لكن اللغة تختلف إلي حد التعارض و التباين في الجمهور والطرح والنقاش. أذكر هنا أني ناقشت هذا الموضوع مع أحد شيوخ المسجد حين سألته عن التباين و الاختلاف بين اللغة في الخطاب الديني عند العلامة محمد ولد سيدي يحيى والشاب محمد الحسن ولد الددو فقال الشيخ: " طبعا لاشك أنهم ينتميان لنفس القبيلة. ولد سيدي يحيى عجيب في فهمه للواقع ويتكلم الحسانية وأنا أفهمه جيدا. أما هؤلاء الشباب فيتكلمون بسرعة شديدة ويستخدمون مكبرات الصوت التي تشوش على كلامهم أحيانا. وأنا أعلم أنهم جيدون ومؤثرون لكننا نحن الشيوخ لا نفهمهم."

طبعا المشكلة ليست في الخطاب الديني بقدر ما هي إشكالية لغوية في مجتمع تزيد فيه نسبة الأمية على 75% ولكي نفهم الدين لابد من اللغة. فهل تؤثر اللغة على الصحوة الدينية وبناء الخطابات الدينية المتعددة التي بدأت تظهر في موريتانيا، أرض البداوة والإسلام وغياب النظام السياسي....؟

No comments:

Post a Comment